مات حسن الصفريوي الرجل الذي سبق زمانه…
هل نقول إنها خسارة؟ هي بالفعل خسارة وخسارة كبيرة، هل نقر بكونها مؤلمة؟ هي كذلك مؤلمة، وصعبة على التصديق، هل نعتبرها صادمة؟ نعم صادمة إلى درجة يمكن أن نصفها ب”المفحعة””.
حسن الصفريوي إطار رياضي من مستوى عال، أكاديمي ورجل تواصل، عرف بحسن الإنصات، وتبادل سلس للأفكار، غادرنا دون رجعة.
رجل القيم وبعد النظر، والأفكار المتقدمة، رجل بكل المواصفات الإنسانية والرائعة، غيبه الموت إلى الأبد، بعدما سبق أن غيبته القرارات الإدارية المجحفة، عن الساحة الرياضية الوطنية، وهو في أوج العطاء، والحامل لأفكار وتصورات نابعة من خبرة ميدانية وتحصيل علمي متفرد.
مات من كان يحلم بممارسة رياضية وطنية متطورة، بمؤسساتها ورجالاتها ومشاريعها الهادفة وطاقاتها المتجددة، مات من كان السباق إلى التفكير في جهوية متقدمة، بهرم التنظيم الرياضي على الصعيد الوطني، مات من كان يطمح إلى جعل الممارسة الرياضية، رافعة أساسية للتنمية، مات من كان يخطط لجعل الإعلام الرياضي، سواء الوطني أو الجهوي، في قلب الحدث الرياضي، وتمكينه من كل الوسائل الأساسية للإضطلاع بدوره كاملا، بصفته شريكا أساسيا وفاعلا مؤثرا، لا يمكن الاستغناء عن دوره الحيوي.
أبعد حسن عن المجال قهرا، وغيب عمدا عن المجال الذي أحبه وأبدع فيه، ظل يتابع بتحفظ، ويراقب بحرقة، ويفكر دون أن يمتلك القدرة على الفعل والتدخل، تراجع للوراء مكرها، وفي نفسه غلة الإبعاد وحرقة الإقصاء.
حسن الصفريوي الذي لم يزده تكوينه الأمني، إلا نضجا ورزانة واحتراما وتقديرا ولطفا، غادرنا مرتين، الأولى كانت إدارية بداية التسعينات، مباشرة بعد تفجير قضية العميد ثابت، حيث أدى ثمن أخطاء ارتكبها الآخرون، والثانية قدريا، كانت نهاية الأسبوع الماضي، بعدما وافته المنية.
رحل هذا الإطار الوطني، ورحلت معه تفاصيل تجربة من الصعب أن تتكرر، تجربة غنية، صقلتها الأيام والسنوات، وحولت صاحبها إلى شخصية تصل إلى مستوى مؤسسة قائمة الذات بحمولة أدبية وإدراية ومعرفية، لاتقارن، يميزها بعد النظر، والذكاء الثاقب، والأفكار المتقدمة، زادها الهدوء والاتزان والابتسامة الدائمة، ميزة وتأثيرا يلاحظه كل محيطه.
لم يكن سي حسن إنسانا عاديا، لا يمكن أن يحضر تجمعا أو مناسبة كيفما كانت، إلا وترك أثرا طيبا، إما بتدخل أو نقاش أو توجيه، أو حتى سرد فصل من تفاصيل التجربة، هكذا كان الراحل الذي خطط لتحويل اللجنة الأولمبية الوطنية إلى مؤسسة قادرة على قيادة الفعل الرياضي والتخطيط له، وإخراجها من عباءة الوصاية المبالغ فيها من طرف الوزارة، هذه الوصاية المستمرة حتى الآن، إلى درجة جعلت من هذا الجهاز الأولمبي، مجرد وكالة لترتيب الأسفار، وإعداد البذل الرياضية، قبل المواعيد الكبرى.
محزن حقيقة أن تغادرنا مثل هذه القامات التي أنجبتها هذه الأرض الطيبة، دون أن تأخذ حقها من الاعتراف والتكريم، ومنحها القيمة التي تستحقها، ودعنا خلال السنوات الأخيرة العديد منها، دون أن تستفيد الأجيال من غنى تجربتها، أو يدون مسارها ويخلد اسمها.
ألهذه الدرجة يتم التعامل مع هذه الرجالات بالنكران والتجاهل والتهميش، لم نكن من قبل نصدق القول، بكون هذا الوسط ناكرا للجميل، يتعامل على أساس “الله ينصر من صبح” كما يقول المثل المغربي الدارج، والتجربة أكدت للأسف أن هذا المعنى صحيح مائة في ألف، فهل من مؤسسات تخرج عن سياق هذا التعامل غير الإنساني؟ مؤسسات تحرص على إعطاء مثل هذه القامات، المكانة التي تستحقها في الحياة قبل الممات.
الله يرحم سي حسن الصفريوي…
>محمد الروحلي