يتواتر الحديث هذه الأيام عن مخاطر ندرة الماء، وتعددت التنبيهات بهذا الشأن، كما يجري عقد اجتماعات في عدد من المدن للتفكير في تدابير للتصدي لخطر العطش، وتشهد بلادنا وضعية هي بالفعل مقلقة جدا على هذا المستوى، خصوصا أن المخزون الوطني من الماء يوجد اليوم في الدرك الأسفل.
ليس الأمر مفاجئا أو أنه لم يكن متوقعا، فعلى الأقل طيلة العقد الأخير نبهت عديد تقارير وطنية ودولية إلى هذا الخطر، لكن المسؤولين لم يستجيبوا لكل هذه التحذيرات، ولم يجر التفكير في تدابير أو قرارات استراتيجية وشجاعة.
لقد واصلنا في المغرب اعتماد سياسات تستنزف الفرشة المائية وتبذر كميات هائلة من الماء، وواصلنا في عدد من المناطق التركيز على بعض الزراعات التي لم تكن لا أولوية غذائية للمغاربة ولا هي تساهم في تحقيق أمنهم الغذائي، ولكنها فقط تحرم المغاربة من الثروة المائية، وتغني حسابات المصدرين الذين يزودون الأسواق العالمية بهذه المنتوجات.
وبدل ذلك، كان يمكن مثلا تشجيع زراعة الحبوب أو زراعات أخرى لها المردودية الاقتصادية المناسبة وتلبي حاجة وطنية فعلية، وكان ذلك سيساهم اليوم في منحنا بعض المناعة في مواجهة ما يشهده العالم من”حرب الحبوب”.
لقد سبق لتقارير ودراسات وطنية أن سجلت أن الفلاحة والصناعة الغذائية والتجارة والفنادق والمطاعم هي التي تستهلك بشكل أكبر الموارد المائية، ومن هنا يجب اليوم أن يبدأ الترشيد، أي أن تمتلك الحكومة الشجاعة وتعلن عن تغيير الاستراتيجيات والمخططات ذات الصلة بالفلاحة والسياحة خصوصا، وتقدم تدابير مستعجلة وسريعة وعقلانية ذات صلة.
كما أن استعمال مياه الشرب في سقي المساحات الخضراء وملاعب الغولف يعتبر أيضا من أسباب تبذير الثروة المائية، وهو ما يتطلب اليوم بدائل عملية، ويقتضي إجراءات حازمة وصارمة لمواجهة الخروقات.
وعلى المستوى الإستراتيجي يجب تطوير سعي بلادنا لإنجاح برامج ومشاريع أساسية في مجال تحلية مياه البحر، وفي التخزين، وفي تطوير الموارد المائية، خصوصا أن بعض الأحواض المائية اليوم تأثرت كثيرا جراء انعدام التساقطات، وبسبب الجفاف، ومن ثم أثر ذلك سلبيا على تزويد المدن المجاورة لهذه الأحواض بالماء الصالح للشرب…
من دون شك، أن الحفاظ على ثرواتنا المائية وترشيد استهلاكها ومحاربة التبذير هي مسؤولية جماعية مشتركة فيما بيننا كلنا، ويجب أن يندرج ذلك ضمن سلوكنا اليومي المواطن، ولكن أيضا البداية يجب أن تكون من الأوساط والقطاعات التي تستنزف الماء بشكل أكبر وأفضع، وأن تتبلور بدائل عملية وواقعية بشكل مستعجل لوقف هذا الاستنزاف، وأن تقدم الحكومة على خطوات شجاعة في التوجهات الكبرى لمخططاتها المتعلقة، أساسا، بالفلاحة والصناعة الغذائية والسياحة، وحينها سيحس الناس بأدوارهم ومسؤولياتهم الفردية، وسيتفاعلون إيجابًا مع الحملات التوعوية والتحسيسية من أجل ترشيد استهلاك الماء واستعماله العقلاني.
الخطر اليوم ليس ثانويا، وتقديره أيضا ليس مبالغا فيه، ولكن التهديد بات اليوم امام أعيننا كلنا، وعلى الأقل في شهري الصيف هذه.
وفي انتظار فصل الشتاء الذي نأمل أن يكون مطيرا، ورحيما ببلادنا وشعبنا، فإن ندرة الماء، يمكن أن تتسبب في توترات اجتماعية في عدد من المناطق، وظروف شعبنا لم يعد بالإمكان أن تتحمل معظلة أخرى، أو أن يواجه المغاربة العطش كذلك.
على الحكومة أن تفتح عيونها وعقلها، وأن تستحضر حجم الخطر الذي يهدد بلادنا وشعبنا، وأن تبادر إلى إعلان تدابير عملية ومستعجلة وشجاعة لتفادي خطر… العطش.
<محتات الرقاص