ضاق مقر حزب التقدم والاشتراكية، مساء الجمعة الماضي، بمناضلاته ومناضليه وهو يشهد حفل تأبين فقيدي الوطن والحزب عبد القادر جمال ومحمد رشيد منير.
شكل هذا الحفل الذي أداره أحمد زكي عضو الديوان السياسي، و حضره محمد نبيل بنعبدالله الأمين العام للحزب، مساء يوم الجمعة المنصرم، لحظة فارقة بامتياز، تجسدت فيها ثقافة الاعتراف والعرفان لمناضلين عصاميين كرسا حياتهما لخدمة قضايا الشعب والوطن.
بعد تلاوة الفاتحة على روح الفقيدين، وقف عبد الواحد سهيل، عضو المكتب السياسي للحزب
على محطات هامة من حياة الفقيدين عبد القادر جمالي ورشيد منير والتي ميزها النضال دون مقابل، ووضعا خلالها القضية البروليتارية ومصالح الوطن والشعب والحزب على رأس اهتماماتها.
وبخصوص عبد القادر جمالي، قال عبد الواحد سهيل، في هذا اللقاء الذي حضره سعيد سيحيدة وسعيد الفكاك عضوا الديوان السياسي والعديد من أعضاء اللجنة المركزية وأسرتي الفقيدين ومعارفهما، إن الراحل انضم إلى صفوف الحزب الشيوعي المغربي خلال العام 1965-1966، بالمدينة القديمة بالدار البيضاء، حيث ناضل في ظروف قاسية إلى جانب رفاق كبار من امثال بيوض، وابراهيم واحمان، وسعيد الرايس وغيرهم.
واعتبر عبد الواحد سهيل الراحل عبد القادر جمالي نموذجا أوليا للمقاتل المخلص وسط المدينة القديمة في وقت كان الوضع السياسي يتميز خلال ستينيات القرن الماضي بالتشدد والقمع، وكان بذلك يفرض على الرفاق الالتزام بالسرية التي تواصلت إلى غاية استرجاع الحزب لقانونيته وانبلاج فجر الانفراج.
وسيبدأ اسم عبد القادر جمالي بالبروز يقول سهيل، في بداية السبعينيات عندما انضم للعمل في المكتب الخاص لعلي يعتة بعد استقالة سكرتيره الخاص الرفيق كريستيان فرانكل الذي انتقل للعمل في مجال آخر، حيث سيستفيد الفقيد من خبرة الرفيق علي يعتة وسيتم تدريبه بسرعة على أعمال الحزب وصحفه.
وهذا ما دفعه إلى ترك وظيفته كمدرس لقبول وظيفة “موظف”، رغم كل القيود السياسية و قلة الموارد المالية للحزب، دون أن ننسى المعايير القاسية التي كان يفرضها علي يعتة على من يقبل العمل إلى جانبه.
كان جمالي يضيف المتحدث يعطي ولا يأخذ، يضحي ولا يطلب حسابا، يفني ذاته لخدمة الآخر بكل تواضع، شديد الاطلاع ويحب معرفة كل الأمور، فحضي بذلك بثقة سي علي وإعجابه.
بعد ذلك، يقول عبد الواحد سهيل، سيطلب من جمالي تغيير المهنة ليصبح صحفيا فأبدع في هذا المجال وأعطى الشيء الكثير لإتقانه لغة موليير ولتفانيه في العمل، مضيفا، بتأثر بالغ، أنه يصعب عليه تقبل رحيله عن دنياينا وسيبقى معه إلى آخر نفس في حياته.
من جانبه، قال محمد خليل إنه تعرف على الراحل عبدالقادر جمالي سنة 1974 حين كان يقوم بترجمة وثائق المؤتمر الوطني الأول بمعية خالد الناصري، ووقف على شخصيته الفذة خلال سبعينيات القرن الماضي حين كان الراحل يكلف من طرف علي يعتة بالقضايا الوطنية والعمالية، بموازاة مع العديد من المهام اليومية سواء الحزبية أو الصحفية أو المصالح المرتبطة بسير الجريدة.
وبتأثر بالغ، استحضر محمد خليل المواقف التي جمعته بالراحل طيلة عملهما معا، معتبرا إياه موسوعة ورجلا متواضعا متعطشا للمعرفة، يضاهي الكبار، ومستحضرا تفانيه في العمل الصحفي وعطاءاته الكبيرة في المحطات الهامة التي شهدها تاريخ الصحافة، خاصة خلال قضية الكوميسير ثابت.
وحضيت حياة الراحل رشيد منير باهتمام بالغ خلال حفل التأبين، حيث استعرض أحمد زكي محطات هامة من حياته النضالية، معتبرا إياه محاميا من الطراز الرفيع ومناضلا متفردا بدأ حياته في الحزب، وبالضبط في الخلايا المتمركزة بشارع فرحات حشاد وشارع للاياقوت وشارع رحال المسكيني وهو لم يبلغ العشرين من عمره، قبل أن تناط به مهام على صعيد جهة الدار البيضاء قام بها باقتدار وقدم نفسه قربانا للوطن والشعب معانيا ويلات السجن في صبر.
بهذا الخصوص، استعرض المحامي عبد السلام الباهي، شريط حياته في زنزانة جمعته بالراحل رشيد منير، مستعرضا ما قاساه من ويلات وما لاقاه من محن تمكن من مقاومتها بفضل ايمانه الراسخ بمبادئه التي آمن بها واعتبرها في خدمة وطنه وشعبه.
كما تمت تلاوة كلمة في حق الراحل رشيد منير بعث بها النقيب عبد العزيز بنزاكو قال فيها إن الراحل الأستاذ محمد رشيد منيرعمل هذا لمدة ثلاثين عاما في مكتب الذي كنت شريكا فيه مع حميد لحبابي الذي توفي للأسف منذ حوالي عشر سنوات، مضيفا أنه بناء على طلب الراحل رشيد منير، وافق بمعية شريكه على إعطائه صفة متدرب وسمحا له، بعد فترة ترسيمه، بممارسة المهنة لحسابه الخاص والوحيد.
واضاف بنزاكور أن الراحل رشيد منير مارس المهنة واستمر في القيام بذلك بحرية تامة في احترام تام لضوابط المهنة، والتي لم ينتهكها قط، وأن خلال ممارسته للمهنة، كان يستخدم مكتبًا خاصا بحرية وكان يستفيد من خدمات سكرتارية المكتب من أجل رقن الشكايات والمذكرات التي كان يقدمها إلى مختلف المصالح القضائية، وأن لم يشتك هو وشريكي من أي إخلال من طرفه لضوابط و أخلاقيات المهنة. على العكس، كانا يهنئانه على خصاله المهنية العالية وتفانيه في الدفاع عن حقوق موكليه.
وفي كلمة ختامية ، قال نبيل بنعبدالله إن هذا اللقاء التأبيني يعتبر لقاء عرفان واعتراف بمناضلين ملتزمين شكلا بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية في الدار البيضاء رمزا حقيقيا للصمود والنضال في أوقات عسيرة جدا، مشيرا إلى أن الرفيقين الراحلين عايشا وجايلا كبار رجالات الحزب الذين تركوا بصمات واضحة بالدار البيضاء، كالرفيق علي يعته، والرفيق عبد الله العياشي، والرفيق عزيز بلال ورفاق آخرين.
وأوضح الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن كل هؤلاء الرفاق، وضمنهم الرفيقين جمالي ورشيد منير قدموا الكثير للوطن وللشعب، ولا يمكن لحزب التقدم والاشتراكية أن ينسى جميلهم والدور الريادي الذي اضطلعوا به، خاصة في فترة لم يكن من السهل أن تكون فيها منتميا لحزب تقدمي كحزب التقدم والاشتراكية أو لأي حركة مطالبة بالحقوق، سواء كانت نقابية أو جمعوية.
وختم الأمين العام لحزب التقدميين المغاربة كلمته المقتضبة، بتجديد تعازيه لأفراد أسرة الراحلين الصغيرة، مشيرا إلى أن ما تركه الراحلان من آثار سيكون مبعث اعتزاز وافتخار لأسرتيهما ولحزب التقدم والاشتراكية الذي سيظل وفيا للمبادئ التي انخرط من أجلها الرفيقان في الحزب بمعية الجيل الذي عاصراه، وسيظل حزب التقدم والاشتراكية وفيا لكل التضحيات التي قدمها الراحلان في سبيل العدالة الاجتماعية والدولة الديمقراطية وفي سبيل التقدم المجتمعي.
هذا وعرف حفل التأبين تكريما لأسرتي الراحلين، وتميز الختام بكلمة زكية جمالي نجلة الفقيد عبد القادر جمالي قدمت خلالها نبدة عن نضال والدها و استعداده الدائم للتواجد وفي الصفوف الأمامية من واجهة النضال النقابي والسياسي، معربة عن امتنانها لمبادرة حفل التابين الطيبة التي قام بها حزب التقدم والاشتراكية لتأبين والدها الذي وصفته ب”الأب الاستثنائي”، مشيرة إلى أنه كان يمثل بالنسبة لها ولإخوانها وأخواتها، صديقا ومعلما ومناضلا كرس حياته خدمة للوطن وتجسيدا لمبادئه وقيمه وقناعاته.
وأضاف أن الراحل كان، رحمه الله، صديقا للصغير قبل الكبير، وكان مرحا، ومحدثا، ومنصتا جيدا، يؤمن بالاختلاف وبالحوار، مشيرة إلى أنها، تعلمت في كنفه حب الناس، وحب الوطن، وتعلمت الاهتمام بشؤون البلاد.
مصطفى السالكي
تصوير:عقيل مكاو