وجوه فنية راسخة في القلوب والذاكرة- الحلقة 7-

يضرب المغاربة منذ سنوات طويلة، موعدا خاصا واستثنائيا خلال شهر رمضان الأبرك، مع وجوه فنية مميزة ومتألقة تضفي طابعا خاصا على مائدة الإفطار العائلي، وتزيد من قوة الطابع الاستثنائي لهذا الشهر الفضيل، سواء عبر الشاشة من خلال الوصلات الفنية المتنوعة طيلة اليوم، أو عبر المواعيد المباشرة مع جمهور الركح أو السينما أو الحفلات…
وتتميز الساحة الفنية المغربية بصعود أسماء جديدة بشكل متواصل، إلا أن هناك وجوها فنية خاصة ألفها المغاربة وأصبح غيابها عن الساحة بشكل عام وخلال الشهر الفضيل بشكل خاص، يشعرهم بفجوة في أجواء رمضان.
ورغم أن الأسماء الجديدة منها ما تميز وأبدع ووصل إلى قلوب المغاربة، إلا أنه من الصعب جدا تعويض الوجوه التي كبر وترعرع معها جيل من المغاربة وشكلت جزءا كبيرا من ذكرياتهم، حيث إنه في الأخير يبقى للجيل الجديد دوره ومكانته في إغناء الساحة، لكن ما من أحدهم قد يعوض آخر أو يحتل مكانته، خاصة في الذاكرة والقلوب.
وحيث إننا نضرب موعدا خلال هذا الشهر الكريم مع إبداعات فنية متنوعة سواء عبر الشاشة أو المسرح والسينما وغيرهما، يساهم فيها خليط من أجيال متعددة، سنستغل هذه المناسبة بجريدة بيان اليوم، لنستحضر عددا من الوجوه الفنية المغربية التي غادرتنا إلى دار البقاء في مجالات التمثيل والغناء التمثيل والإخراج، التي بصمت الساحة الفنية الوطنية بعطاءات ظلت شاهدة على تفرد موهبتها، التي رسختها في سجل تاريخ الفن بالمغرب والعالم بمداد من ذهب.

الراحلة خديجة البيضاوية.. أيقونة فن “العيطة” المرساوية

فقدت الساحة الفنية المغربية، برحيل الفنانة خديجة البيضاوية، في أكتوبر 2022، إحدى أبرز معالم “العيطة”، وهو فن قديم، وجزء لا يتجزأ من التراث المغربي.

وتعد الفنانة خديجة البيضاوية، التي رحلت بعد صراع مع المرض، عن عمر يناهز 69 سنة، واحدة من رموز الفن الشعبي المعروف بـ “العيطة المرساوية”، إذ بدأت مسارها الفني في منتصف سبعينيات القرن الماضي على أيدي العديد ممن يوصفون بشيوخ فن العيطة، واستطاعت أن تضع بصمتها في الساحة الفنية المغربية.

ولدت خديجة البيضاوية في عام 1953، في بنمسيك سباتة، وهو حي مكتظ بالسكان ومهمش بشكل مزمن على الطرف الجنوبي الشرقي من الدار البيضاء والذي لطالما كان حاضنة العيطة، الموسيقى الشعبية لفقراء الأرياف والمدن الناطقين بالدارجة المغربية البدوية في المغرب (لغة الشاوية وعبدة ودكالة..).

نشأت خديجة، في أسرة محافظة ومتواضعة، على موسيقى بوشعيب البيضاوي، نجم المسرح الشعبي المغربي، وهي من أوائل النجوم التلفزيونية والإذاعية في محال الأغنية الشعبية في المملكة.

وتعلمت المغنية الموهوبة خديجة أساسيات فنها في حفظ موروث بوشعيب البيضاوي وتقليد المطربين الذين سمعتهم في أعراس الحي، إلا أنها اضطرت إلى التخلي عن طموحاتها الإبداعية عندما تزوجت، حيث لم يسمح زوجها لها حتى بحضور المناسبات الموسيقية حتى عام 1979، عندما كانت في منتصف العشرينيات من عمرها.

 

توفي زوجها، وبدأت خديجة في الأداء في الأماكن العامة، وكان ظهورها لأول مرة على الملأ، دون علم عائلتها، كراقصة ترافق شيخة مشهورة – مغنية – من الحي.

وقالت خديجة في أحد تصريحاتها: “كنت سأخبر عائلتي أنني كنت أقضي الليلة في منزل عمة، وسأذهب في حفلات الزفاف مع مجموعة من الشيخات. كنت راقصة مشهورة جدا. ولكن على الرغم من أنني كنت أمطر بالمال كل مساء، إلا أنني كنت أبكي في نهاية كل عرض. شعرت بالخجل. لطالما أخبرتني عائلتي أن الغناء والرقص في الأماكن العامة أمر مخز. أخيرا، قال لي مديري في إحدى الليالي: عليك أن تقبلي موهبتك، أنت فنانة؛ وبعد بضعة أسابيع، اعترفت لإحدى عماتي أنني كنت أؤدي العيطة”. بحلول نهاية عام 1979، كانت خديجة تغني على المسرح، وفازت بعطف الجماهير التي أعجبت بصوتها القوي.

بعد عشر سنوات، كان لخديجة مجموعتها الخاصة، وأطلقت أكثر من عشرة أشرطة كاسيت، وتم الاعتراف بها على أنها الملكة الصاعدة للعيطة المرساوية.

عجزت خديجة البيضاوية عن إحصاء عدد الكاسيتات التي سجلتها. في ذروتها الإبداعية في أواخر التسعينيات، كانت خديجة تطلق أربعة إلى ستة أشرطة كاسيت في السنة. غنت خديجة للجمهور المغربي في فرنسا وبلجيكا وهولندا، واستقرت على مدى العقد الماضي في سمعتها ومرتبتها بصفتها عميدة العيطة المرساوية.

< عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top