بعد مرور أزيد من 20 سنة على اغلاقه، وافقت السلطات المغربية على إجراء تحاليل الحمض
النووي لتحديد هوية عدد من ضحايا معتقل تازمامارت السري، وذلك وذلك في إطار تنفيذ توصيات هيئة الانصاف والمصالحة المتعلقة باستكمال التحريات والكشف عن الحقيقة.
إحياء إحدى توصيات هيئة الانصاف والمصالحة
تعتبرهيئة الانصاف والمصالحة هيئة غير قضائية أحدثت بالمغرب سنة 2004 لتصفية ملفّات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفتها البلاد خلال الفترة الممتدّة من 1956 إلى 1999، بالكشف عن حقيقة حالات الاختفاء القسري والاعتقال السياسي وتعويض الضحايا، وإصدار توصيات لتفادي تكرار الانتهاكات.
نظمت الهيئة جلسات استماع للضحايا الذين بلغ تعدادهم 10 ألاف شخص، كما أجرت بحوثا أرشيفية ومقابلات مع مسؤولين حكوميين سابقين. وقدمت تقريرها الختامي خلال ديسمبر 2005 حيث خلصت فيه إلى تأكيد وفاة 742 شخصاً من الأشخاص المختفين قسرياً، ناجحة بذلك في تحديدِ مصيرهم، بينما فشلت في حل 66 ملفاً. وعالجت الهيئة 4677 حالة وأوصت بصرفِ تعويضاتٍ لـ3657 ضحيّة وأنشأت أرشيفاً يحتوي على أكثر من 20,000 شهادة شخصية لضحايا أو شاهدين على جرائم ارتُكبت في تلك الحقبة.
كما أفضى عمل الهيئة لإلى اكتشاف أو تدقيق أو تحديد هوية 89 شخصا توفوا رهن الاحتجاز، ووقفت على أماكن دفنهم بمعتقلات تازمامارت وأكدز وقلعة مكونة وتاكونيت وكرامة، وضواحي سد المنصور الذهبي، وقد تمكّنت الهيئة من خلال الاعتماد على مصادر متنوعة من بينها السجلات والوثائق الرسمية والشهادات الشفوية من التوصّل إلى رفات عدد من الضحايا وتحديد أماكن دفنهم، لكن من دون تحديد هوية بعضهم بشكل دقيق بالنسبة لكل قبر حيث أوصت الهيئة بمواصلة التحري لتحديد أماكن الدفن والاستجابة لحق العائلات في معرفة هوية رفات ذويها.
مطلب إجراء الفحص الجيني للتأكد من هوية الضحايا
ظلت جمعية الدفاع عن ضحايا معتقل تازمامارت وأصدقائهم تدافع على مطلب إجراء الفحص الجيني بواسطة DNA بغية تحديد هوية الضحايا لكي تمنح عائلاتهم فرصة لدفنهم وزيارة قبورهم بعد سنوات من عدم تحديد رفات كل ضحية بشكل محدد، في المقابل ظلت السلطات ترفض الاستجابة إلى هذا الطلب معللة موقفها بعدم جدوى الإجراء لتعذر إمكانية استخراج الحمض النووي من عينات عظام متدهورة.
مع تطور العلوم، قرر المجلس الوطني لحقوق الإنسان اللجوء إلى المختبر الجيني الدولي بمدينة نانت الفرنسية لدراسة إمكانية اجراء تحليل جيني على بعض العينات التي تعذر سابقا استخراج حمضها النووي لعدم توفر التجهيزات التقنية الكفيلة بذلك، حيث أرسل بتاريخ 28 نوفمبر 2022 وفدا من المجلس ومن رئاسة النيابة العامة وخبراء من المختبر الجيني للشرطة العلمية ومصلحة الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي بالرباط والدار البيضاء لتدارس الإمكانيات المتاحة على ضوء آخر تطورات العلوم، وقد خلصت المشاورات إلى إمكانية إجراء هذه الفحوص، وقررت اللجنة العلمية إخضاع عيّنتين من مجموع العينات المتبقية لعملية استخراج الحمض النووي، حيث توصّلت خلال يوليوز من سنة 2023 بالنتائج الأولية والتي كانت إيجابية، وتقرر مواصلة عملية استخراج الحمض النووي لباقي العينات المتبقية المشابهة.
إطلاق عملية إجراء فحص DNA لتأكيد هوية الضحايا
بتاريخ 04 سبتمبر 2024 أعلن المجلس الوطني لحقوق الإنسان أنه أطلق عملية إجراء تحاليل الخبرة الجينية DNA لتأكيد هويات عدد من الأشخاص المتوفين في المعتقل السري السابق تازمامارت.
وجاء في بيان المجلس، أنه تمّ اشعار عائلات الضحايا بهذه العملية، وتمّ توزيعهم على مجموعات، بما فيها مجموعة لعائلات تضم أشخاصا مسنين سيجرون التحاليل بمنازلهم، تحت إشراف النيابة العامة المختصة، حيث سيعهد الى المختبر الجيني الوطني للشرطة العلمية اجراء هذه الفحوصات.
وأضاف البيان أن المبادرة تأتي “بعد أن أصبح التطور التكنولوجي يتيح إمكانية استخراج الحمض النووي من عينات عظام متدهورة لتحديد هويات أصحابها”، وأكد البيان أن المجلس “سيقوم بإخبار عائلات الضحايا بنتائج تحاليل الحمض النووي عند التوصل بها، مع مواصلة حرصه على دعم كل الضحايا وذوي الحقوق وعائلاتهم”، مثمنا انخراطهم الكبير في هذه العملية، بعد موافقةٍ شخصية، حرة ومستنيرة”.
من جهته أشاد أحمد المرزوقي أحد المعتقلين السابقين في تازمامارت- بالقرار مبديا استغرابه من توقيته المفاجئ قائلا: “هي خطوة إيجابية كنا نطالب بها منذ سنوات، لكنهم كانوا يرفضونها بشدة بحجة أن الحمض النووي غير كافٍ لتحديد هوية الرفات”، مضيفا” لقد كانوا يجادلون في جدوى العملية، ولا ندري السبب وراء تغيير موقفهم واتخاذ هذه الخطوة الآن”.
في نفس السياق رحبت جمعية ضحايا معتقلي تازمامارت بالمبادرة رغم كونها جاءت متأخرة بعقدين من الزمن، وأكدت الجمعية على ضرورة المعالجة الشاملة والمنصفة لملف ضحايا سنوات الرصاص استجلاء للحقيقة الكاملة وجبر الضرر الفردي للضحايا وذوي الحقوق وفق المواثيق الدولية، إلى جانب جبر الضرر الجماعي لقرية تازمامارت.
تزمامارت من سجن سياسيّ الى فضاء لحفظ الذاكرة
يعتبر سجن تزمامارت أحد أشهر المعتقلات السياسية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، يقع على أطراف الصحراء الشرقية حيث فتح في غشت 1973 وأغلق في سبتمر 1993، وسجن فيه عدد من العسكريين المتورطين في المحاولتين الانقلابيتين التي عرفها المغرب. وقد ظل النظام المغربي ينفي وجود هذا المعتقل رغم تقارير المنظمات الحقوقية الدولية والوطنية، كما أصبح اسم “تازمامارت” يحمل وصما للمنطقة التي يتواجد فيها هذا السجن، والتي كانت مكانا لنفي المعارضين السياسيين منذ الاستعمار الفرنسي.
وفي إطار جهود حفظ الذاكرة، أوصتْ هيئة الإنصاف والمصالحة بجبر الضرر الجماعيّ اللاحق بساكنة المنطقة من جراء تواجد هذا المعتقل السياسي. وفي هذا الإطار، تمّ إطلاق مشروع لإعادة تهيئة هذا المعتقل-إلى جانب معتقلات أخرى- بعد ترميمه وتحويله إلى مركز سوسيو-ثقافي كفضاء لحفظ الذاكرة، كما سيتم إطلاق مشاريع اقتصادية واجتماعية تحمل اسم “تزمامارت” كخطوة للنهوض بالمنطقة وما لحقها من وصم جماعي