يشهد العالم تحديات متزايدة بسبب تدفق الهجرة الدولية الناجمة عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تدفع بالملايين إلى البحث عن حياة أفضل، وفي هذا الصدد، يُحتفل باليوم العالمي للمهاجرين في 18 دجنبر من كل سنة، كفرصة لتسليط الضوء على قضايا المهاجرين وتعزيز حقوقهم.
ويعد المغرب بحكم موقعه الإستراتيجي بين إفريقيا وأوربا محطة رئيسية للمهاجرين، دول جنوب الصحراء، الذين يسعون لعبور الحدود أو يبحثون عن فرصة للاندماج في المجتمع المغربي.
من خلال سياسة وطنية شاملة للهجرة واللجوء، أظهر المغرب التزاما إنسانيا بمعالجة هذه الظاهرة، لكنه يواجه في ذات الوقت تحديات كثيرة تتعلق بالإدماج الاجتماعي وضغط الموارد، فكيف يمكننا قراءة جهود المغرب في هذا الشأن، وما علاقتها بالرسائل الإنسانية لليوم العالمي للمهاجرين؟
أكد جلالة الملك محمد السادس، في خطاباته، على أن الهجرة قضية إنسانية تتطلب التضامن والاحترام، مشددا على ضرورة الاعتماد نهج متوازن يجمع بين حماية حقوق المهاجرين وضمان مصالح الدول. قاد جلالته تبني المغرب للسياسة الوطنية للهجرة واللجوء سنة 2013 التي أصبحت نموذجا إفريقيا. كما دعا خلال قمة مراكش 2018 إلى تعاون دولي لتعزيز التنمية المشتركة ومعالجة بذور الهجرة مؤكدا على “أن الهجرة ليست خطرا بل فرصة إذا أحسن تدبيرها”.
وتتجلى مجهودات المغرب في التعامل مع قضايا الهجرة في عدة خطوات أهمها:
– النجاح في تسوية الوضعية القانونية لأكثر من 50.000 مهاجر غير نظامي، ما منحهم حق الإقامة وإمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية، وكما تم إدماج أطفال المهاجرين في النظام التعليمي، بالإضافة إلى تمكينهم من الرعاية الصحية.
– العمل على تفكيك شبكات التهريب والاتجار بالبشر وتوفير الحماية الإنسانية للمهاجرين خاصة النساء والأطفال.
– المساهمة في صياغة الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة، الذي اعتمدته الأمم المتحدة في قمة مراكش سنة 2018، واستضافة المرصد الإفريقي للهجرة الذي يهدف إلى تحسين إدارة تدفق الهجرة في القارة الإفريقية.
– التعاون مع الجمعيات المحلية والمنظمات المدنية لتقديم الدعم الإنساني للمهاجرين، ويشمل حملات التوعية لتعزيز التعايش ومكافحة التمييز، وتوفير برامج التأهيل والإدماج في سوق الشغل.
رغم المجهودات الكبيرة التي يبذلها المغرب لتوفير بيئة آمنة وإنسانية للمهاجرين، إلا أن هناك مجموعة من التحديات تحتاج إلى معالجة لتعزيز هذا المسار، ويمكن عرضها في النقاط التالية:
* يشكل تزايد أعداد المهاجرين ضغطا كبيرا على البنية التحتية والخدمات الاجتماعية في المغرب، الصحة والتعليم، وتوفير خدمات ملائمة للمهاجرين يتطلب موارد إضافية وقدرة استيعابية أكبر.
* رغم تسوية الوضعية القانونية في عدد كبير من المهاجرين، إلا أن إدماجهم في سوق الشغل يواجه صعوبات بسبب ارتفاع معدلات البطالة، مما يحد من فرص تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
* لا يزال بعض المهاجرين يواجهون مظاهر التمييز والإقصاء الاجتماعي نتيجة صور نمطية واختلاف الثقافة، مما يتطلب مجهودا إضافيا لتعزيز التعايش بين المهاجرين والمجتمع المغربي.
* يشكل تدفق المهاجرين غير النظاميين من دول جنوب الصحراء تحديا كبيرا للمغرب، خاصة على مناطقه الحدودية والسواحل. حيث يعيش هؤلاء المهاجرون في ظروف صعبة، ويواجهون مخاطر الاستغلال والاتجار بالبشر. يبذل المغرب جهودا لمكافحة شبكات التهريب، مع الحفاظ على مقاربة متوازنة تجمع بين حماية الحدود واحترام حقوق الإنسان، لكن استمرار الظاهرة يتطلب تعزيز التعاون الدولي لمعالجة أسباب الهجرة بشكل جذري ومستدام.
* يواجه المغرب تحديات قانونية ومؤسساتية في تدبير ملف الهجرة، حيث لا تزال الأطر التشريعية المتعلقة بالهجرة واللجوء تحتاج إلى مزيد من التطوير لتواكب التحولات الحالية. كما أن التنسيق بين المؤسسات المعنية يبقى أحيانا محدودا، مما يؤثر على فعالية البرامج والسياسات الموجهة للمهاجرين. تعزيز الإطار القانوني وتوحيد الجهود المؤسساتية أمر ضروري لضمان استجابة أكثر شمولية وفعالية لتحديات الهجرة، مع احترام الحقوق الأساسية للمهاجرين.
رغم هذه التحديات، يبقى المغرب ملتزما بمقاربة إنسانية شاملة في معالجة قضايا الهجرة، مع تعزيز التعاون الدولي والإقليمي لمواجهة هذه الظواهر.
بقلم: هشام حنوز