الإصلاح

انبثق هذه الأيام شيء من التململ وسط بعض الأحزاب التي فاجأت المتابعين بدعوتها لإصلاحات دستورية وسياسية في البلاد، وانضمت بذلك إلى قوى الصف الديمقراطي التي مافتئت ترفع المطلب منذ سنوات، وبإضافة هذه الدينامية الحزبية إلى ما عبرت عنه مسيرات «20 فبراير» في الإطار نفسه، فإن الواضح أن المجتمع المغربي يكشف اليوم عن الحاجة إلى التعجيل بإعمال جيل جديد من الإصلاحات، بما في ذلك ما يتعلق بالإطار الدستوري والمؤسساتي والسياسي، وذلك ضمن مقاربة شمولية تروم ضخ نفس جديد في انتقالنا الديمقراطي.
وبالرغم من هذه الالتلقائية الواضحة في تجليات ومصادر التعبير عن نبض الشعب وتطلعه إلى الإصلاح، فإن أصواتا، بين الفينة والأخرى، تتحرك، ولو من وراء ستار، لتعيد إنتاج اللغة الخشبية العمياء، ولترمي في وجه شعبنا بعبارات من قبيل: «لايمكن مباشرة الإصلاحات تحت ضغط الشارع أو نزولا عند مطالب الأحزاب»، «المغرب ليس تونس أو مصر أو ليبيا، ولذلك فالإصلاح ليس ضروريا»، «المغرب باشر الإصلاحات منذ سنوات، ولا داعي اليوم للحديث عن هذا الموضوع»…
وبقدر ما أن المغرب فعلا ليس هو تونس أو مصر أو ليبيا، فإن الإصرار على عدم الإنصات لنبض الشارع ولمطالب الطبقة السياسية والأحزاب في هذه المرحلة التاريخية بالذات، والتعامل معها بخفة تكاد تكون ازدراء من طرف بعض «المفكرين» وصناع الفتاوى، يهدد بلادنا  بتضييع الفرصة لتكون منسجمة مع التاريخ، قبل أن يفرض عليها الخضوع والاستسلام لسلطة التاريخ، وآنذاك قد نصير مثل تونس أو مصر أو غيرهما.
صحيح أيضا أن شعارات «20 فبراير» فضلا عن سقوف المطالب المعبر عنها من لدن الأحزاب الوطنية، تتوحد في التشبث بنظامنا الملكي، والدفاع عن شرعيته، وهذا «الاستثناء المغربي» يجب، بالأحرى، أن يقود إلى مزيد من الإصلاح والتحديث والدمقرطة والتنمية، بدل أن  يحوله البعض اليوم إلى «إشارة قف» حمراء، لفرملة ديناميات الإصلاح التي لفت جلالة الملك نفسه في خطابه الأخير إلى حرصه على مواصلتها وتطويرها.
المغاربة يجمعون على مؤسستهم الملكية، وهذا يحفز على خوض مسلسل الإصلاحات الكبرى بثقة وجرأة ووفق إيقاع زمن اليوم.
الكل اليوم يتفق على أن السنوات القليلة الأخيرة حملت لفضائنا العام عديد انحرافات في السياسة وفي الحقل الحزبي والمؤسساتي والانتخابي، وبتنا مهددين بإعادة البلاد إلى المربع الأول لما قبل بداية الانتقال الديمقراطي، والحاجة اليوم ملحة لوقف هذا المسلسل العبثي.
الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لفئات واسعة من شعبنا تطرح بدورها تحديات كبرى ذات صلة بالتنمية والعدالة الاجتماعية وبكرامة الناس.
اليوم ليس من حق أحد أن يدفع ببلادنا لكي تضيع فرصة تعميق الإصلاحات بمبررات خشبية صدئة.

[email protected]

Top