نجح حزب التقدم والاشتراكية في تنظيم العديد من التجمعات العمومية، خصوصا لفائدة الشباب، في جهات مختلفة من المملكة، بالإضافة إلى لقاءات تنظيمية، وكانت كل هذه الفضاءات الحوارية، مناسبات لشرح مواقف الحزب، وأيضا تلقي آراء الناس وأفكارهم واستفساراتهم بشأن الإصلاحات الدستورية وغيرها.
ولم يكتف الحزب بهذه الأشكال «المعروفة»، إنما أطلق مبادرة «الكلمة للشباب»، وشرع في تنظيم منتديات «ربيع الديمقراطية» في كل من الرباط والدار البيضاء، وطور حضوره الحواري عبر مواقع الانترنيت، كما انخرط أمينه العام شخصيا في تواصل تفاعلي عبر الشبكة العنكبوتية مع الشباب، وهذه الدينامية التواصلية والسياسية كانت لافتة للاهتمام.
في السياق نفسه، سجل المراقبون نزول باقي أحزاب الصف الديمقراطي إلى المدن والقرى لإقامة تجمعات ومهرجانات ولقاءات للنقاش والشرح والتفسير، لكن سؤالا كبيرا فرض نفسه بالمناسبة: وأين الهيئات الأخرى؟ ولماذا لم تخرج إلى المواطنين كي تعرض عليهم مقترحاتها التي رفعتها إلى اللجنة الاستشارية؟
الفكرة لا تستمد شرعية طرحها من أية خلفية سجالية أوأنانية، إنما الموضوع يستحق فعلا الانتباه، خصوصا في ظرفية وطنية من عناوينها الأساسية ضرورة تأهيل الحقل الحزبي، والحد من كل الانحرافات التي شهدها في السنوات الأخيرة.
لقد تابعنا كلنا الشعارات الغاضبة والمطالبة بالرحيل التي رفعت خلال مسيرات الشباب وضد من رفعت، وأي الأسماء كانت محمولة بالصراخ وبالاحتجاج وبالغضب، كما أن كل المحطات التاريخية تؤكد لنا أن المغرب دائما لا يجد سوى الأحزاب الحقيقية وذات الشرعية والمصداقية، كي تنزل إلى الميدان لترفع التحدي.
ومن خلال متابعة بسيطة للصحف هذه الأيام، يتضح أن القوى الديمقراطية هي التي يتوزع قادتها ومناضلوها في المداشر وفي البوادي وفي الجبال للقاء الناس، بالرغم من أن الموارد المالية لدى هذه الأحزاب لا تقارن أصلا بما يتوفر لبعض الكائنات الطارئة على ساحتنا الحزبية والسياسية.
الدرس هنا أن البلاد في حاجة إلى أحزابها الحقيقية والمستقلة وذات الأصل.
ومن جهة ثانية، فإن إنجاح الورش الدستوري، سينتقل بنا إلى حياة سياسية ومؤسساتية مغايرة، ما يعني استرجاع الأحزاب لأهميتها ولأدوارها الطبيعية والمنطقية، وبالتالي فلن يكون للتحول المؤسساتي أي جدوى إذا عمد البعض إلى إعادة إنتاج الانحرافات التي مست حياتنا الحزبية والانتخابية والسياسية والبرلمانية في السنوات الأخيرة.
بعد الانتهاء من الإصلاح الدستوري، سينخرط المغرب في مرحلة جديدة، حيث لابد للسياسة أن تستعيد معناها، وأن يرفع الكل شعار: «ارحل» في وجه الفساد الانتخابي والحزبي وفي وجه شناقة الانتخابات والأحزاب، وفي وجه العقلية الهيمينية على المشهد الحزبي.
آنذاك يمكن للأحزاب الحقيقية أن تنطلق نحو استعادة علاقتها بالجماهير وبالميدان، خصوصا إذا أسست هي ذاتها لأفقها الجديد.