مجلس المنافسة

يمثل استقبال جلالة الملك لرئيس مجلس المنافسة، خطوة أخرى في مجال تقوية مؤسسات الحكامة والتقنين، وإجراء أساسيا مواكبا للحوار الجاري حول المراجعة الدستورية، ومن شأنه تعزيز الثقة في الدينامية التي يشهدها المغرب منذ خطاب تاسع مارس.
لقد شدد جلالة الملك، خلال الاستقبال، على الدور المهم لمجلس المنافسة في توطيد دولة الحق في مجال الأعمال، والمساهمة في تأهيل وتحديث الاقتصاد الوطني، وتعزيز تنافسيته، وتحفيزه وجذبه للاستثمار المنتج، الكفيل بالرفع من وتيرة التنمية، وتوفير فرص الشغل والعيش الكريم لكافة المواطنين، سيما منهم الشباب.
ومعلوم أن مجلس المنافسة كان موضوع نقاش في الإعلام وفي مختلف الأوساط المهتمة، وحتى من طرف رئيسه، وذلك منذ إحداثه، وانصب النقاش المذكور حول الاختصاصات وحول الاستقلالية، وبالتالي حول قدرة المؤسسة على القيام بدورها من أجل توفير المناخ الملائم للمنافسة الشريفة ولحرية المبادرة، وتكافؤ الفرص، ومكافحة اقتصاد الريع، ومختلف أشكال الاحتكار والامتيازات غير المشروعة، ضمن منظومة مؤسسية وطنية منسجمة ومتناسقة للحكامة الاقتصادية الجيدة، واليوم يعتبر القرار الملكي استجابة لكل هذا الانشغال الذي عبر عنه في أوساط مختلفة، وتفاعلا مع مطالبه.
وحيث أن المناسبة شرط، كما يقول الفقهاء، فإن سياق الحوار حول المراجعة الدستورية، يجعل القرار الملكي المتعلق بمجلس المنافسة واحدا من عناوين المرحلة الدستورية المقبلة، ومن الضروري التقاط الإشارة، خصوصا أن مقترحات وردت في مذكرات عديدة لها علاقة بالحكامة الاقتصادية.
لقد نصت مذكرة حزب التقدم والاشتراكية مثلا على ضرورة أن يضمن الدستور حماية الملكية الخصوصية وحرية المبادرة الاقتصادية ويمنع كل أشكال الاحتكار الخصوصي، كما دعت إلى دسترة آليات الحكامة والوساطة والتمثيلية والتقنين المختصة، ومنحها اختصاصات جديدة، وخاصة حق المبادرة بالتدخل في مجال اختصاصها، مع العمل على تنظيمها بما يعزز استقلاليتها وفعاليتها وتكاملها، وكل هذا بغاية تأمين الشفافية والمساواة في قطاع المال والأعمال، وضمان دولة القانون في المجال الاقتصادي، بالإضافة إلى تقوية عمل هيئات أخرى تختص بالتخليق ومحاربة الرشوة.
وإن التعليمات الملكية الرامية إلى إعادة النظر في الإطار التشريعي المنظم لمجلس المنافسة، تسير في اتجاه الانسجام مع المطالب والمقترحات أعلاه، وستكون البداية من خلال تعزيز استقلالية مجلس المنافسة وتوسيع اختصاصاته، بما في ذلك الإحالة الذاتية، وتمكينه من كافة الوسائل البشرية والمادية اللازمة والآليات القانونية الناجعة للاضطلاع بالصلاحيات المخولة له، في أفق الارتقاء به إلى مؤسسة دستورية قائمة الذات.
في مغرب الغد لن يكون مقبولا الاستمرار في تشجيع اقتصاد الريع والاحتكار، ولن يكون مستساغا أيضا مواصلة ترك الرشوة والفساد يمارسان السيادة المطلقة في قطاع المال والأعمال، ومن ثم فإن تنظيم المجال الاقتصادي وعصرنته وتخليقه وتقنينه وتكريس الشفافية والمساواة بداخله، هو الطريق لإنجاح رهاناتنا الاقتصادية والتنموية، وبالتالي بلورة الأجوبة المقنعة للحاجيات الاجتماعية المعبر عنها من لطرف شعبنا.

Top