عاد الأصولي المغراوي المفتي باغتصاب الطفلات (ولو تحت غطاء الزواج) إلى المغرب بعد اختباء في السعودية، وعودته اختار لها عنوان الإصرار من جديد على «فتواه» بإباحة زواج البنت ذات التسع سنوات، وهي التي كانت قد لقيت استنكارا ورفضا واسعين في حينها، ووصلت فضيحتها إلى القضاء.
القصة تنبهنا إلى أن المتطرفين الدينيين لا يترددون عند كل تحول تاريخي في المغرب للهجوم ومحاولة جر البلاد إلى الخلف… لماذا في غمرة الحراك الشبابي والعربي من أجل الديمقراطية والإصلاح، يخرج علينا من يعتمد على لحيته فقط ليحرم المهرجانات الفنية مثلا؟، ولماذا عندما تتم المناداة بضرورة دسترة المساواة بين الجنسين يقف من يخوف الناس بأن ذلك سيقود إلى موضوع الإرث، ولو لم يطرحه أحد؟ وهل نحن أمام رافضين للإصلاح يحاولون تكبيلنا بالأغلال، ووقف مسار الدمقرطة والتحديث؟
نعرف أن معارك الديمقراطية وبناء المجتمعات وتحديثها دائما يكون لها خصوم ورافضون، ولهذا فإن اللحظة الراهنة في بلادنا بكل ما تحفل به من زخم ومن تطلعات ديمقراطية، تستدعي التنبه واستحضار العقل ووضوح الرؤى والأجندات.
إن ما يقول به المغراوي اليوم، هو بلغة عصرنا دعوة لاغتصاب الأطفال، وشرعنة للبيدوفيليا بتبريرات ملتحية وهابية، وعلى كل الديمقراطيين والمناضلين من أجل حقوق الإنسان وحقوق الطفل رفضه والتنديد به.
لقد سبق لجمعيات أن رصدت مآسي زواج القاصرات في بعض مناطق البلاد، وكشف برنامج تلفزيوني على القناة الثانية عن وقائع صادمة بهذا الخصوص، ونادت كثير أصوات باستعجالية تدخل الدولة للقضاء على هذه المآسي الإنسانية والاجتماعية، وعندما يخرج علينا اليوم من يصر على قتل طفولتنا وإباحة اغتصابها، فإن المأساة تتحول إلى فضيحة وإلى خطر حقيقي.
من جهة ثانية، فإن القضية تحيل كذلك على أمور أخرى لا تقل خطورة عن الوارد أعلاه، وهنا يعود لواجهة التفكير موضوع الفتاوى الدينية، وقضية إصلاح الحقل الديني وأهمية تحديث الخطاب الديني المروج له في المجتمع وفي المدرسة وفي الإعلام، وبالتالي فإن التحدي أمامنا اليوم هو أيضا ثقافي وفكري، وليس مجرد مؤسسات وهياكل وإصلاحات سياسية بغض النظر عن أهميتها وراهنيتها.
عندما يصر المغراوي اليوم ويوقع ويعيد التوقيع على فضيحته، فالمجتمع أيضا من حقه أن يرفع صوته بأن لهذه البلاد قوانين، (ومنها أن السن القانوني محدد في 18 سنة)، وأن الفتوى الدينية يجب أن تستحضر هذه القوانين الوضعية، وتستحضر المقاصدية وأيضا من يحق له الإفتاء…
إن هذه البلاد تعيش في القرن الواحد والعشرين، ولشعبها تطلعات ديمقراطية وقيم ومطالب ورهانات، ولسنا مرضى بالبيدوفيليا.