> فنن العفاني – محمد حجيوي
> تصوير: عقيل مكاو- رضوان موسى
أكد محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أن جميع الهيئات السياسية، أحيطت علما بتاريخ السابع من أكتوبر المقبل كموعد لإجراء الانتخابات التشريعية، قبل الإعلان عنه بشكل رسمي. وأعرب محمد نبيل بنعبد الله، في كلمة له خلال افتتاح الجامعة السنوية التي نظمها المكتب السياسي للحزب، أول أمس بالرباط، حول موضوع “القطاع العمومي والخدمات العمومية بالمغرب في مواجهة تحديات السيادة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية”، عن أمله في ألا يخضع تاريخ 7 أكتوبر، لأي جدل، لأن المهم في نظره، هو أن تكون هناك استشارات واسعة مع كافة الأحزاب السياسية للتحضير لهذه الانتخابات في أحسن الأحوال.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه أن المغرب قطع أشواطا مهمة في البناء الديمقراطي، تجعله ينظم الانتخابات في موعدها، وبشكل عاد، شدد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية على ضرورة المزواجة بين التحضير لهذه الانتخابات وإتمام ما تبقى من الإصلاحات الكبرى، خاصة تلك المتعلقة بالقوانين التنظيمية المتبقية، وفي مقدمتها القانون التنظيمي المتعلق بأجرأة الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، حتى لا تخلف الحكومة موعدها مع الدستور.
وأمام عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة الذي حضر افتتاح هذه الجامعة السنوية، إلى جانب وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة محمد مبدع، ويونس مجاهد ومحمد درويش عضوي المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولحسن فلاح عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، قال نبيل بنعبد الله “إن المدة المتبقية كافية، في نظرنا، للمزاوجة جيدا بين التحضير للانتخابات التشريعية المقبلة، والعمل على إخراج القوانين التنظيمية المتبقية، والتي تكتسي أهمية فائقة على اعتبار أن الاعتناء بها والحرص على سلامة تفعيلها يجعلانها تضمن التجسيد المتقدم لمضامين الدستور وأحكامه وروحه فوق أرض الواقع المؤسساتي، وتمنحه أبعاده العملية”.
ومن جانب آخر، اعتبر الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن الحكومة الحالية قاربت موضوع إصلاح التقاعد بجرأة وشجاعة، وكانت منفتحة على كل الأطراف بما فيها حزب التقدم والاشتراكية الذي قدم مذكرة في الموضوع، وتم التجاوب بشكل إيجابي مع جزء كبير منها، مؤكدا في الوقت ذاته، على أن إصلاح أنظمة التقاعد يتعين أن يندرج ضمن تصور شمولي واستراتيجي يفضي إلى إرساء نظام وطني للاحتياط الاجتماعي كأساس للمجتمع المتضامن، ويرتكز على توسيع وتعميم الحماية الاجتماعية من خلال توسيع قاعدة التقاعد والتغطية الصحية، في أفق توحيد أنظمة التقاعد حول قطبين اثنين، قطب عمومي وآخر خاص.
وفي موضوع ذي صلة، دعا الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية الحكومة والفرقاء الاجتماعيين إلى التعجيل بالعودة إلى طاولة الحوار الاجتماعي والعمل على توفير شروط إنجاحه، وفي مقدمتها إبداء الحكومة القدر الكافي من الانفتاح على مختلف المطالب المشروعة للشغيلة، مع اعتماد الفرقاء الاجتماعيين على مقاربات تطرح بدائل ملموسة وواقيعة.
وفي كلمة له بالمناسبة، قال عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، “نريد انتخابات تشريعية في المستوى المطلوب، ونحن نتقدم في تحقيق ذلك”.
وأبرز بنكيران في مداخلة له خلال الجلسة الافتتاحية للجامعة السنوية لحزب التقدم والاشتراكية أن إجراء انتخابات تشريعية في المستوى المطلوب يتطلب الصبر والصمود والتعاضد، وإذا اقتضى الأمر التضحية وليس التنازع على تولي المناصب وعلى تحقيق المصالح.
وأضاف رئيس الحكومة أن المغرب ومستقبله كدولة لها خصوصيتها يحتاج إلى نساء ورجال مستقيمين تهمهم بالأساس مصلحة الوطن، مشيرا إلى أن المغرب من الدول العربية القليلة التي تحقق التوازن بين الأمن والاستقرار والحفاظ على حقوق الإنسان.
وأشار إلى أن ظروف اشتغال الحكومة الحالية لم تكن سهلة، فهي اشتغلت في “الشد والضيق والمضايقة ومحاولة الإرباك”، مضيفا أنه “في هذه الظروف الصعبة تأكدنا من بعضنا وساندنا بعضنا البعض”.
وأشار إلى وجود تقارب وانسجام بين حزبي التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية وقيادتيهما.
وبخصوص العلاقة بين حزب التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية، قال بنكيران “إن مناضلي حزب التقدم والاشتراكية الذين تعرفت عليهم، قبل هذه التجربة الحكومية، يمتازون بالأدب والواقعية والعمق في التحليل والقصد في الكلام” مضيفا أنه بعد تشكيل الحكومة “تعرفنا أكثر على بعضنا البعض، ليس في وقت الرخاء، بل في وقت الشدة والضيق والمضايقة ومحاولة الإرباك والحروب التي لا تنتهي، حيث تأكدنا من بعضنا البعض وساند بعضنا البعض”.
وشدد عبد الإله بنكيران على أهمية استقلال القرار السياسي الحزبي، مشيرا إلى أن السياسة تفقد معناها الحقيقي ومصداقيتها إذا لم تكن هناك استقلالية القرار السياسي، مبرزا أن أعمدة الدولة والأنظمة الديمقراطية هي الأحزاب السياسية، وبالتالي ليس في صالح لا البلاد ولا العباد ترويضها والتحكم في قراراتها.
وفي سياق حديثه الموجه للمفكر الاقتصادي عبد القادر برادة الذي تم تكريمه خلال هذه الجامعة، كواحد من أعمدة الفكر الاقتصادي بالمغرب وواحد من منظري حزب التقدم والاشتراكية، دعا عبد الإله بنكيران النخب الفكرية والثقافية إلى الجهر بالقول والكلمة لتستفيد البلاد من أفكارهم ومقترحاتهم، بدل الارتكان إلى الصمت، وترك المجال أمام خطاب الرداءة.
من جانبه، أفاد محمد مبدع وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، بخصوص موضوع الجامعة السنوية لحزب التقدم والاشتراكية، أن الإدارة العمومية والمرفق العام يتعين أن لا يبقيا خارج الإصلاحات الكبرى التي يعرفها المغرب، لأن الإدارة، يضيف مبدع، هي رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما يفرض إدراج إصلاح الإدارة ضمن الأوراش الكبرى للإصلاح من أجل مواكبة التحولات التي يعرفها.
وأضاف محمد مبدع أن أي سياسية كيف ما كانت نوعيتها لا تستقيم إلا إذا كانت آلية تنزيلها تحتكم إلى الحكامة والشفافية وتبسيط المساطر وتسهيل الولوج إلى الإدارة العمومية وتحسين ظروف استقبال المواطنين، مشيرا إلى أن القطاع الذي يشرف عليه وضع برنامج عمل للإصلاح يتبلور حول تثمين الرأسمال البشري وتحسين العلاقة بين الإدارة والمواطن وإعمال الحكامة بالإضافة إلى مشاريع الإصلاح ذات الصلة، كمشاريع إصلاح أنظمة التقاعد خاصة في الوظيفة العمومية، والحركية، ونظام التعاقد، ومشروع القانون الخاص بالحق في الولوج إلى المعلومة.
من جهتها، ذكرت رشيدة الطاهري عضوة الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية التي ترأست الجلسة الافتتاحية للجامعة السنوية، بالمحاور الفرعية لموضوع الجامعة وخاصة دور القطاع العمومي وحدوده ومسألة الحكامة، وتقديم رؤى متقاطعة حول التدبير المفوض من منظور مختلف المتدخلين من سلطات عمومية ومنتخبين ومجتمع مدني، إضافة إلى التطرق لموضوع فرص وحدود الشراكة بين القطاع العمومي والقطاع الخاص مع التركيز على قطاع الصحة وقطاع التعليم كنماذج في هذا الإطار.
عبد الواحد سهيل: المرفق العام مجال لتدخل الدولة و لتدخل القطاع الخاص
بعد الجلسة الافتتاحية، قدم عبد الواحد سهيل عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، في مستهل الأشغال العلمية للجامعة مدخلا تأطيريا لموضوع “القطاع العام والخدمات العمومية بالمغرب” مبرزا أهم تمفصلاته الفكرية والسياسية، ورؤية حزب التقدم والاشتراكية للعلاقة بين القطاعين الخاص والعمومي.
وأكد عبد الواحد سهيل في السياق ذاته، على أن للقطاع العام له دورا أساسيا في التنمية وفي محاربة الفوارق الاجتماعية والمجالية، لأنه متواجد في مجموع التراب الوطني، مشيرا إلى أنه من غير المقبول التعامل مع القطاع العام بمنطق الخسارة المستمرة، على اعتبار أن فائض القيمة أساسي بالنسبة للمقاولات العمومية، وليس المؤسسات العمومية التي ينتظر منها جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين.
وتوقف عبد الواحد سهيل عند موضوع شركة “لاسامير” داعيا إلى ضرورة التعامل مع هذا الموضوع انطلاقا من الحل الأنسب، وألا يكون لحزب التقدم والاشتراكية موقف إيديولوجي مسبق في أمور لها جانب اقتصادي ومالي وسياسي، مؤكدا على أن حزب التقدميين المغاربة، يؤمن بالدور الحيوي للقطاع العام وبضرورة تعزيزه، وضرورة أن يشتغل هذا القطاع بمنهجية وتناسق، وألا يستمر بنفس آليات التسيير الحالية، وأن يكون خاضعا للمراقبة الديمقراطية من طرف ممثلي الشعب ومن طرف المؤسسات الرقابية للدولة، على أن يكون رئيس الحكومة هو الرئيس الفعلي لكل المؤسسات والإدارات العمومية، حتى تلك التي لا يسمي رؤساءها.
وأوضح القيادي الحزبي أن التطور الغير مسبوق الذي عرفه القطاع العام منذ الحماية إلى اليوم، بالارتباط مع التطورات التي عرفتها البلاد، تعاظمت معه انشغالات ومتطلبات المواطنين، في مجالات الصحة، والتعليم، والسكن، والطرق، والإنارة، والماء، وغيرها من الخدمات العمومية، وهو الأمر الذي، يضيف عبد الواحد سهيل، أخذه الدستور الجديد بعين الاعتبار حيث أقر بحق المواطن في المساواة في الولوج إلى الخدمات العمومية وفي احترام كرامته.
وقبل أن يفسح المجال لباقي المتدخلين، أكد عبد الواحد سهيل على أن المرفق العام أصبح في الوقت ذاته، مجالا لتدخل الدولة بمختلف تمفصلاتها بما فيها الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، وأيضا مجالا لتدخل القطاع الخاص، عن طريق الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وفي إطار التدبير المفوض.
وشدد سهيل على ضرورة تعزيز القطاع العمومي الذي يلعب دورا أساسيا في إعادة توزيع الدخل وفي العدالة الاجتماعية، داعيا إلى توسيع رقعته، حتى ينسجم مع المشروع المجتمعي لحزب التقدم والاشتراكية، مشيرا إلى أن هذه الرؤية تحتاج إلى إرادة سياسية قوية، غير متدبدبة، وتتسم بالاستمرارية.
الصديقي: النجاعة ليست حكرا على القطاع الخاص والقطاع العام في صلب النموذج التنموي
بعد سلسلة من العروض النظرية القيمة وما تلاها من تعقيبات ومناقشة (سنعود إليها بتفصيل في عد الغد)، خلصت الجامعة السنوية لحزب التقدم والاشتراكية، إلى ضرورة حفاظ الدولة على قدرتها في التدخل المباشر في مجموعة من القطاعات الحيوية عبر قطاع عمومي قوي وفعال ويدبر وفق مبادئ الشفافية والنزاهة والحكامة والديمقراطية.
ودعا المشاركون في ختام أشغال هذه الجامعة السنوية التي قاربت موضوع “القطاع العام والخدمات العمومية بالمغرب”، إلى تعميق التفكير في طريق ثالث يمكن عبره معالجة مسألة كيفية تقديم الخدمات العمومية وتدبير المرفق العام، وإيجاد الصيغة الكفيلة بتوزيع الأدوار بين القطاع العام والقطاع الخاص في المجال، مع الانتباه إلى أن عددا من المهام تبقى من صميم مهام الدولة ولا يمكن بأي وجه من الأوجه تفويضها.
وأكد عبد السلام الصديقي وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، والذي أعد تقريرا تركيبيا للخلاصات التي أسفرت عنها الجلسات الثلاث التي انتظمت فيها الجامعة، والتي تمحورت حول “القطاع العام دوره وحدوده ومسألة الحكامة”، و”رؤى متقاطعة حول التدبير المفوض” ، فضلا عن محور “فرص وحدود الشراكة بين القطاع العمومي والقطاع الخاص، في الصحة والتعليم كنموذج”، (أكد) أن حزب التقدم والاشتراكية وضع دائما القطاع العام في صلب النموذج التنموي واعتبره قاطرة أساسية للدفع بالنمو وإرضاء الحاجيات الأساسية للمواطنات والمواطنين.
وقال في هذا الصدد ، “إن الدستور الذي تتم أجرأته حاليا يتضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتي تعد من المهام الأساسية التي تضطلع بها الدولة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تفويض تنفيذها للقطاع الخاص”، هذا علما، يشير الصديقي، أن حزب التقدم والاشتراكية لم يكن في أي وقت من الأوقات ضد القطاع الخاص.
وأردف مضيفا، “إننا في حاجة إلى قطاع عام قوي وفعال، وبقدر ما يدافع الحزب عن بناء قطاع عام قوي، بقدر ما يدافع على تطهيره ودمقرطته وإخضاعه للمراقبة، وربط تحمل المسؤولية فيه بالمحاسبة”. فالنجاعة، يضيف المتحدث، ليست حكرا على القطاع الخاص، كما أن المسألة لا ترتبط بالقطاع العام، بل هي مرتبطة بالحكامة”.
وأبرز أن النقاش الذي شهدته الجامعة، لم يكن ترفا فكريا، بل انغماسا دأب عليه الحزب في مقاربة الأسئلة المحرجة والتي بات يحبل بها الواقع، والتي تتطلب إيجاد أجوبة ولو أنها صعبة، خاصة وأن الرأي العام ارتباط مع أحداث وقعت مؤخرا، أصبح يسائلنا، يقول الصديقي، “حول قضية شركة لا سامير، واحتجاجات الساكنة في بعض المدن كطنجة ضد الشركات المفوض لها تقديم خدمات الماء والكهرباء، وكذا احتجاجات الطلبة الأطباء والممرضين والأساتذة المتدربين، والتي كلها طرحت مسألة التشغيل والعلاقة بين القطاعين العام والخاص.
هذا، ونبه الصديقي إلى الصعوبات التي تحيط بتقديم أجوبة قطعية حول ما يطرح بشأن توزيع الأدوار بين القطاع العام والقطاع الخاص بشأن تولي تقديم الخدمة العمومية وتدبير المرفق العام، مستنتجا أن النقاشات العميقة التي شهدتها الجامعة مكنت من طرح الأسئلة الجوهرية، ومن التأكيد على أن مقاربة الموضوع ينبغي ألا تتم وفق المقاربة الإيديولوجية، بل ينبغي أن تتلاءم وفق مصلحة البلاد، بحيث يتم البحث عن الصيغة التي تجعل القطاع الأنجع يضطلع بالمهمة. لكن سرعان ما يستطرد المتحدث بالقول “إن عملية التغيير معقدة وتتطلب تعبئة شعبية وانخراطا جماهيريا وحوارا اجتماعيا، بل وتتطلب أيضا إشراك كل الشركاء الاجتماعيين، على أساس أن تحتفظ الدولة بوظائفها كدولة ديمقراطية، مبنية على الطريقة التشاركية، دولة أكاد أقول وطنية اجتماعية”.