هل بدأت لوبيات الفساد تطل علينا

سيكون بلا شك من باب ترديد كلام مكرور وغير مقنع القول بأن إعلان الحكومة عزمها محاربة الفساد والمفسدين سيواجه بمقاومات هنا وهناك، كما أنه من باب (السماء فوقن) التأكيد على أنه بقدر ما يستشري الفساد ويتفاقم، بقدر ما أن هناك لوبيات مستفيدة من ذلك، ويتمدد أخطبوطها، وتتقوى وتتعدد غيران استقرارها، لكن مع ذلك لا بد من القول اليوم أن بعض لوبيات الريع والفساد بدأت بين الفينة والأخرى تطل علينا تلميحا أو تصريحا عبر صحف معينة بالذات يعرف المغاربة ارتباطاتها و( مصادرها) وتقنيات النفخ فيها.
ما معنى مثلا أن تختار صحيفة بيضاوية معروفة كل صباح استهداف وزير الصحة، حتى وهو يعلن إصراره على تكريس التخليق وتجويد الحكامة والتدبير في مختلف مرافق القطاع الذي يتولى تدبيره ؟، وما معنى عندما يعلن الوزير البحث في ملف أو صفقة سابقة، بغاية معرفة الحقائق أولا ووفق مختلف الضوابط والمساطر ذات الصلة، أن نقرأ في صباح اليوم الموالي مرافعات تتصدر الصفحات الأولى نشتم فيها رائحة اللوبيات الفاسدة، ويتحول القلم فيها إلى مجرد ساعي بريد؟ وما معنى أن ترفع صحيفة في وجه الوزير نفسه مثال الخيمة المائلة، حتى قبل أن (يسخن) مكانه في الوزارة، وكأن في الأمر تهديد من جهة ما قد تكون هي المحرك الحقيقي للحملة؟ وهل نسي من يكتب أن أبلغ من يكذب كلماته هو واقعنا الصحي نفسه، أي معاناة شعبنا مع ضعف الخدمات الصحية، ومع غياب التغطية، ومع غلاء الأدوية؟
ليس القصد هنا تقديم مرافعة مضادة للرد على اللوبيات المذكورة أو للدفاع عن الوزير، فلهذا الأخير لسانه ليفعل ذلك ببلاغة وبقوة الحجة، كما أن مساره المهني والعلمي والتدبيري، وتاريخه السياسي، قادران على الدفاع عنه وتأكيد مصداقيته، فضلا على أنه يعمل ضمن فريق حكومي يحكمه ميثاق سياسي وبرنامج، شددا منذ البداية على إصرار الحكومة على محاربة الفساد، وعلى تعزيز التخليق والحكامة الجيدة، وهنا المطلوب من كل الوطنيين الحقيقيين متابعة مسار التنفيذ وتحفيز العمل على تطبيق الالتزامات، وليس العكس.
البلاد اليوم في حاجة إلى صحافتها المهنية حقيقة، والمستقلة فعلا، كي تكون الحليف الرئيسي في معركة الإصلاح، وفي مسلسل مواجهة الفساد، وستنجح في ذلك إذا حرصت فقط على أن تكون نفسها، أي أن تمارس دورها المهني فقط، عبر الإخبار والتحليل، وباعتماد الحياد المهني والنزاهة الأخلاقية…
لسنا هنا أيضا في موقع إعطاء الدروس لأحد، لكن فقط نهمس بأننا في حاجة ماسة لتأهيل صحافتنا اليوم قبل الغد، وتقوية متانتها المهنية، ومصداقيتها، وفي ذلك مصلحة لنا نحن أولا المنشغلون بهم هذا القطاع والمشتغلون فيه، كما أن في ذلك مصلحة لبلادنا ولمستقبلها الديمقراطي.
[email protected]

Top