سيرة الوجع في «تابوت امرأة»

 مصطفى لغتيري
لا ريب في أن قارئ رواية “تابوت امرأة ” للكاتبة اليمنية سيرين حسن سيجد نفسه محاصرا بدفق من المشاعر الجياشة يتخلله كثير من الوجع، بسبب طبيعة الشخصية الرئيسية للرواية وأحداثها واللغة الشاعرية العاطفية التي توسلت بها في كتابتها، ويدون هذا العمل الروائي الجميل سيرة امرأة حاصرها سوء الحظ في حياتها متحالفا مع سوء الفهم الذي تعرضت له منذ أن كانت تلميذة شابة تغذي أحلامها طموحات بلا حصر، فما إن أحست بتحولات جسدها ونضجه حتى أضحت فريسة مفترضة لكل الذئاب البشرية، التي تصادفها في حياتها.. طفلة شابة في السادسة عشر من عمرها تحمل سفاحا داخل بيت أسرتها، فترمي بها يد القدر نحو المصير المجهول، إذ ما إن يتم اكتشاف حملها حتى تتذوق من أهلها كل أصناف الإهانة والتعذيب، حتى تضطر إلى الهرب من البيت بتحريض من أمها خوفا على حياتها التي أضحت مهددة من طرف إخوتها الذين عزموا على أن” يغسلوا” العار بالدم. تقضي سارة أياما في الشارع فتعاني من قسوة البرد والجوع والمذلة، قبل أن تهتدي إلى بيت أسرة غنية لتشتغل لديها خادمة، في هذا البيت تجد بعض الدفء والأمان خاصة من صاحبته أم سلطان وابنتها حياة التي تصبح صديقة مقربة لسارة المختفية وراء اسم أزهار حتى لا تكتشف هويتها الحقيقية، لكن ما إن يعود ابن صاحب البيت سمير من السفر من ماليزيا قصد الزواج، حتى تتكرر مأساة سارة معه ومع أصدقائه الذين يتحرشون بها، بعد أن يعرفوا وضعها الاجتماعي الملتبس، وخاصة أمين الذي يتستر وراء ورعه الديني ليستفرد بها ويعتدي عليها اعتداء شنيعا يزيد من تحطيمها نفسيا وجسديا.
 تنجب سارة أو” أزهار” ابنها وليد، تحت رعاية الأسرة التي تشتغل عندها بعد أن تدعي أن زوجها مات في حادث سير وكذلك أبوها قد توفي وليس لها أحد تلجأ إليه، لكنها بعد سنوات قليلة تحن نفسها إلى أهلها، فتسعى إلى العودة إلى البيت معتقدة أن أهلها سيسامحونها، لكنها تفاجأ بأنهم باعوا البيت وانتقلوا إلى مكان أخرى.. لا يتسرب اليأس إلى نفس سارة فتجتهد في البحث رفقة ابنها وليد حتى تعثر على بيت أهلها فتكتشف هناك موت أمها، فتستعطف أهلها لمسامحتها عن”خطئها” غير أن أباها لم يسامحها ويصر على التنكيل بها، فيبلغ الشرطة عنها ويتهمها بكونها تنتمي لشبكة الدعارة وأنها مختطفة لابنه وليد، فيلقى بها نتيجة لذلك في غياهب السجن، وهناك ستستمر معاناتها، إذ جاء دور النساء ليعبثن بجسدها لإشباع شذوذهن الوحشي، وحين ترفض الإذعان لهن تلاقي معاملة وحشية وتعذيبا يؤدي بها إلى فقدان الوعي، لتنقل على عجل إلى المستشفى، وهناك تظهر بارقة نور وأمل حين تلتقي بالدكتور عبد الله الذي سيتعاطف معها ويسعى إلى مساعدتها على الهرب واستعادة عافيتها، كي تبدأ حياة جديدة.
 وبعد أن تطمئن على نفسها، تتصل بامرأة تعرفت عليها في السجن كي تدبر لها شغلا فتجد ضالتها في ملهى، هناك تحصل على مبلغ مادي مناسب تكتفي به وتفر من ذلك العمل الذي تعافه نفسها، لتنخرط من جديد في البحث عن فلذة كبدها دون جدوى، لتستمر مأساتها إلى ما لا نهاية.
 إنها باختصار سيرة الوجع تحكيها الكاتبة سيرين حسن بلغة عاطفية رومانسية مؤثرة، تجعل المرء يشعر بمدى الغبن الذي تعانيه المرأة في مجتمعاتنا العربية، التي لا تضمن لها الحد الأدنى من الاستقلالية حتى تتخذ قراراتها بعيدا عن وصاية الرجل وسطوته، خاصة وأن هذا الرجل يعتبر المسؤول الأول عن المآسي التي تحيا في أتونها.

Related posts

Top