حرب الطرق مستمرة

مرة أخرى تشهد طرقاتنا مآسي جديدة تخلفها حوادث السير…
لقد أزهقت أرواح في سيدي بنور وفي طرفاية مؤخرا،  ووقعت مآسي جديدة، وخلفت هذه الحرب المدمرة أرامل ويتامى ومصابين، وخسائر أخرى للبلاد ولأسر المكلومين..
كل البرامج والخطط والإجراءات لم تنجح لحد الآن في وضع حد لهذه المآسي، أو على الأقل التقليص منها، وتواصل طرقنا سباقها نحو الموت، ومافتئت بلادنا(تتقدم) في المراتب ضمن قائمة البلدان ذات الطرق الأكثر قتلا للناس. لا بد اليوم من الانكباب على مستوى السائقين، وخصوصا سائقي حافلات النقل العمومي وشاحنات نقل البضائع وسيارات الأجرة بمختلف أنواعها، ومهنيتهم، وسلوكهم أيضا، وذلك من خلال تقوية المراقبة وأنظمة التعليم وآليات الرخص وسوى ذلك.
وفي السياق نفسه، يجب أن يتغير واقع التعاطي السلبي أو المتردد مع ظواهر الفساد والرشوة المنتشرة عبر طرقاتنا، والتي يعرف الجميع أشكالها و(تقنياتها)وأيضا أماكنها، فمن غير المعقول أن ينقل المواطنون والسائقون مئات القصص والحكايات عما يجري في كثير من الحواجز الأمنية بمناطق مختلفة، وبمحاور طرقية معروفة، ولا تتم متابعات جدية وشمولية لهذا المرض المستشري.
ومن غير المعقول، في هذا الإطار، ألا ينتبه المسؤولون إلى ما صرح به شرطي بلقصيري الذي قتل ثلاثة من زملائه، وما طفا جليا من بين ثنايا ما نقل عنه من كلام، خصوصا عندما برر استهدافه لرئيسه المباشر بكونه أبعده من(الباراج)، أي بتعبير آخر أكثر وضوحا، فالسعي كان من أجل العمل ضمن حاجز أمني يعرف  أنه يدر إتاوات ومداخيل على العناصر الأمنية العاملة به، كما أنه يدر مداخيل يتم نقلها إلى المسؤول المباشر، وهذا أيضا يعرفه الكل، ويحكى عنه وسط العاملين في الأمن أو في الدرك بكثير من جهات المملكة.
إذن، هذا الفساد الأخطبوطي المستشري في طرقاتنا يعتبر سببا رئيسيا، بالإضافة إلى تهور عدد من السائقين، في هذه الجرائم البشعة.
من المؤكد أن التهور لا يختص به سائقوا نقل الركاب أو البضائع، وإنما أيضا بعض المواطنين الذين يستعملون الطريق على متن سياراتهم الشخصية، ومن ثم يحتاج الكل إلى كثير من التوعية والتحسيس، أي التربية في الطريق، وفي العلاقة مع باقي المشتركين في استعمالها، وهنا للإعلام مسؤوليته الكبيرة، وأيضا للمدرسة ولباقي فضاءات التنشئة الاجتماعية، علاوة بالطبع على أهمية الجانب الزجري، وضرورة تطبيق القانون بصرامة، لأن الأمر صار  يلحق الكثير من الخسائر بالبلاد وباقتصادها وصورتها في الخارج، ناهيك عما يتسبب فيه من مآسي لأسر الضحايا والمصابين.
إن مآسي حوادث السير في بلادنا تحتم اليوم انخراط مختلف الفاعلين والقطاعات من أجل إعمال معالجة شاملة  وناجعة وجدية ، ولإنقاذ بلادنا وشعبنا من مخلفات هذه الحرب القاتلة، كما أن المواطنين أنفسهم مسؤولون، فردا فردا، تجاه  هذه الكارثة، وبغاية الحد منها.

[email protected]

Top