تعبت فلسطين من «الكلامجية»

التصريحات التي صدرت عن شخصيات مصرية تنتقص من دور لجنة القدس، ورد عنها بلاغ أصدرته وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، ليست مهمة لذاتها، أو لوزن أصحابها، وإنما التوقف عندها هنا مرده أنها تحيل على عقلية مستشرية وسط فئات من «الظواهر الصوتية» العربية، أو الحركات القومجية والأصولية.
ربما ذكرى النكبة تكون مناسبة لهذه الأوساط للتأمل في نتائج هلوساتها وانعكاسات ذلك على القضية الفلسطينية طيلة عقود، والوعي بأن المغرب، دولة وشعبا، اختار منذ البداية تجسيد تضامنه بشكل ملموس بلا أي تدخلات فجة في القرار الفلسطيني الداخلي المستقل.
لم يختر المغاربة يوما مقايضة تضامنهم مع فلسطين بأي لعبة في المحاور أو في الاصطفافات، أو مقابل الحصول على أي ثمن، ولهذا كانوا يخرجون إلى الشوارع والساحات في مسيرات مليونية تضم كامل الطيف السياسي والنقابي والجمعوي والثقافي من دون حسابات، وكانوا أيضا يمنعون أنفسهم، دولة وأحزابا، من أي إملاءات على القوى الفلسطينية، أو دعم هذا الطرف على حساب ذاك…
وكان طبيعيا، في السياق نفسه، أن تسير لجنة القدس برئاسة جلالة الملك، وذراعها الميداني وكالة بيت مال القدس الشريف، على المنوال ذاته، وبدل أن تملأ الفضاء كلاما وصخبا، اختارت إنجاز أعمال ملموسة على الأرض لفائدة المقدسيين.
بفضل الوكالة تم ترميم المنازل داخل البلدة القديمة لتثبيت أهل القدس ومحاربة الاستيطان، وبفضلها جرى بناء المدارس لفائدة الأطفال والفتيان  هناك، وتم ترميم المراكز الثقافية، وأقيمت ملاعب رياضية جنوب القدس، كما تتم مواكبة المسارات التعليمية لأبناء القدس بواسطة آليات عملياتية في عين المكان…
ليس المجال هنا للجرد التفصيلي لمختلف أعمال وبرامج وكالة بيت مال القدس، فهي دائما تتطلب المزيد، وأهل القدس يستحقون أكثر منها بكثير، ولكن القصد أن هذا العمل الميداني الملموس يبقى بالنسبة للفلسطينيين أهم بكثير من  صراخ «الكلامجية» العرب على القنوات الفضائية وفي الاجتماعات المغلقة.
وإذا كان هذا الجهد التنموي والاستثماري في التعليم والثقافة والشباب والبنية التحتية داخل القدس مجرد عمل غير بناء وبعيد عن الواقع، كما تقيأ ذلك الإسلامي المصري عصام العريان، فكيف يمكن توصيف الكلام الكثير والمفتقر إلى أي فعل ملموس من لدن كل الذين يجيدون التباكي عبر التلفزيون فقط؟
إن الهجوم اليوم على عمل وكالة بيت مال القدس من طرف بعض الأصوليين العرب، واستهداف عملها وعمل لجنة القدس من طرف أنظمة خليجية من قبل، يكشف عن استهداف واضح للأسلوب، أي لمنهجية الامتناع عن التدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي، ومن هنا يكون كلام العريان أو غيره موجها للقوى الفلسطينية أولا قبل غيرها.
أما بالنسبة للمغرب، فهو مستمر، كما كان دائما، في خدمة قضية القدس والشعب الفلسطيني على أسس مبدئية واقعية من دون أي مقايضة أو ابتزاز.

[email protected]

Top