من المؤكد أن ذاكرة الرياضة المغربية، لا تخلو من لحظات كثيرة ونادرة لا ولن تسنى من عقول المغاربة على اختلاف الأعمار وتعاقب الأجيال، بفضل ما حققه رياضيون ورياضيات بمحافل رياضية كبرى في مختلف الألعاب سواء كانت جماعية أو فردية، لكن -مع الأسف- فالكثير من الأجيال اللاحقة والمتأخرة عن تلك اللحظات تجهلها تماما..
في كرة القدم ثم ألعاب القوى والملاكمة وكرة المضرب، وهي رياضات من الدرجة الأولى سجلت فيها المغرب حضورا بارزا، أكثر من مرة، على المستوى الدولي في الزمن الجميل، إضافة إلى بعض الومضات المتفرقة لألعاب أخرى، سطعت أسماء لأبطال وبطلات حققوا إنجازات وفازت بألقاب وبطولات وحطمت أرقام قياسية، أعلت بها راية الوطن خفاقة وسط أعلام دول العالم..
في الوقت الراهن، وأمام التراجع المخيف للرياضة المغربية التي باتت عاجزة في العقد الأخير عن التموقع مع الأقوياء ولو على المستوى القاري، نستعرض حلقات لأبرز اللحظات التي صنعها أبطالنا وعاشها الجمهور المغربي، وهو يتابع مباراة أو نزالا أو لقاء أو سباقا لمغربي أو مغربية في رياضة من الرياضات ببطولة عالمية أو ألعاب أولمبية..
هي مناسبة إذن لإحياء هذه اللحظات التاريخية والخالدة في سماء الرياضة المغربية، وعرضها بالنسبة لأجيال تجهل ساعات الفرح والحزن تجهل كيف قارع أبطال مغاربة كبار الساحرة المستديرة وأم الألعاب والفن النبيل والكرة السمراء، وتفوقوا عليهم في بعض الأحيان..
«بيان اليوم» اختارت هذه السنة، بمناسبة شهر رمضان الأبرك، استعراض حلقات من الماضي القريب والبعيد للحظات لاعب كرة قدم سجل هدفا ثمينا قادر فريقه إلى انتصار أو تأهل تاريخي أو عداء أحرز ميدالية ذهبية أو حطم رقما قياسيا، أو لاعب تنس وقف ندا لعملاق مع عمالقة اللعبة، أو ملاكم صال وجال بالحلبات.
سعيد عويطة ولد في 2 نوفمبر 1959 بالقنيطرة، حصل على ذهبية 5000 متر في دورة الالعاب الأولمبية الصيفية عام 1984 وفاز سنة 1987 ببطولة العالم في العاب القوى، فضلا عن ال 3000 متر في عام 1989 لألعاب القوى بطولة العالم للصالات المغلقة.
حطم عويطة الأرقام القياسية العالمية لسباقات 1500 متر (3.29.46 د عام 1985) و2000 م (4.50.81 د عام 1987) وثلاثة آلاف م (7.29.45 د عام 1989) وخمسة آلاف م (13.00.40 د عام 1985، و12.58.39 د عام 1987). ويعد واحدا من أبرز الأبطال العرب في الأحداث الأولمبية الرياضية الكبيرة.
كانت انطلاقته من ميادين كرة القدم، لما ارتدى قميص المغرب الفاسي وهو في ريعان شبابه، لكن أقدار ابن القنيطرة قادته إلى حلبة “الكازابلانكيز” المطاطية عوض أرضية “الملعب الشرفي” بالبيضاء، حيث رصد المتتبعون حينها سعيد عويطة، خلال مشاركة الأخير في بطولة الألعاب المدرسية، إذ لفت إليه الأنظار وأصبح محط اهتمام العارفين بشؤون رياضة أم الألعاب. “لن تحقق النجاح الذي سيتأتى لك من ألعاب القوى، ولو ظللت تمارس كرة القدم صباح مساء”، يقول عبد العزيز الدباغ للاعبه في “الماص” ذات ليلة ممطرة.
لم تكن بداية عويطة موفقة سنة 1978، خلال أولى مشاركاته ببطولة العالم لاختراق الضاحية في غلاسغو السكوتلندية، إذ حل العداء المغربي في الرتبة 34. أنذاك، قطع سعيد وعدا مع نفسه ألا يركض بنفس الطريقة مستقبلا. وعد عويطة وأوفى.. في سنة 1979، حقق الأخير رقما قياسيا جامعيا عالميا في مسافة 1500 متر.
بلغ قطار “عويطة” محطة بلدة مارينيان الفرنسية، حيث حصل الشاب المغربي على منحة دراسة من وزارة الشباب والرياضة المغربية، وكان الإطار عزيز داودة أول من مد يد العون إلى سعيد عويطة.. واصل “القطار” كما كان يسميه الحسن الثاني، مسيره عبر محطة “الفيغارو” (أحد أعرق سباقات “الكروس” في العالم)، حيث أكد عويطة أنه في فرنسا من أجل كتابة أول أسطر في تاريخ “المجد”.
وصل عويطة إلى مدينة سيينا الإيطالية، حيث التقى بشخص يدعى “ديونيزي”، الأخير أقحم العداء المغربي في مشاركات ببطولات عالمية، فانقطعت أخباره لمدة سنتين، حتى وصلت رسالة “تيليكس” إلى عزيز داودة فيها: “سعيد عويطة.. أفضل إنجاز عالمي في مسافة 1500 متر (خلال ملتقى في إيطاليا)”.
تعود أول مشاركة لسعيد عويطة في بطولة العالم لألعاب القوى إلى سنة 1983، حيث حصل على الميدالية البرونزية لسباق 1500 متر في هلسينكي الفينلندية، وحظي بعد شهور بتشريف من عاهل البلاد المرحوم الملك الحسن الثاني، خلال مباراة نهائي كأس العرش في كرة القدم بالمركب الرياضي محمد الخامس في الدار البيضاء.
توج بالذهب في أولمبياد لوس أنجليس في سنة 1984، وبعدها الإستقبال الشعبي الذي لقيه عند عودته إلى أرض الوطن.. ثم شق عويطة طريقه وحيدا بعد ذلك، بحثا منه عن التوقف في محطات أخرى.
وضع نصب عينيه تحطيم الأرقام القياسية فتأتى له تحقيق ذلك في مسافة 1500 متر في 23 غشت 1985 في برلين، ثم حطم رقم سباق 5000 متر في يوليوز 1986 بروما. توالت الإنجازات وتحقيق الأرقام في “عزلة” عن العالم الخارجي.
أراد عويطة إرضاء الملك الراحل الحسن الثاني وشارك في أولمبياد سيول 1988، حيث اختار سباق 800 متر ليرفع التحدي، واستطاع أن يكتفي بمدالية “المعاناة” لما حل ثالثا.. أراد عويطة محو الصورة الكورية القاتمة، فبدأ التحضير إلى بطولة العالم سنة 1991، حينها اصطدم صاحب الـ 33 سنة في مسافة 1500 متر بشاب جزائري يدعى نورد الدين مورسلي. أنذاك أصبح لمسافة 1500متر “قائد” جديد وغادر عويطة مسرعا إلى مستودع الملابس.. هل هي بداية النهاية؟
لهذا، جعل الحسن الثاني، القطار الذي ينتقل عبر المحطات يحمل اسم “عويطة”.. وظل المغاربة يفتخرون بهذه الأسطورية الرياضية التي رفعت العلم المغربي في الأعالي إلى حدود كتابة هذه الأسطر.. استبشرنا خيرا بعودته للتسيير ذات يوم.. ترشح في الانتخابات ذات يوم آخر.. لكن سعيد عويطة لم يرتح إلا في ثوب المحلل التلفزي في إحدى المحطات التلفزيونية.. هو نفسه من علق على تألق خلفه في المدمار، ولعل آخرهم العداء المغربي عبد العاطي إيكيدير.
إعداد : القسم الرياضي