تشرع جريدة “بيان اليوم”، ابتداء من هذا العدد، في نشر مشروع الأطروحة السياسية للمؤتمر الوطني العاشر لحزب التقدم والاشتراكية الذي سينعقد تحت شعار “نفس ديمقراطي جديد” أيام 11/12/13 ماي القادم، وذلك بغاية طرحها للنقاش العام، وجعل محطة المؤتمر مناسبة للتفكير الجماعي في مآلات البناء الديمقراطي والحداثي، وما يطرحه من أسئلة وإشكالات كبرى.
مشروع الأطروحة السياسية الذي صادقت عليه اللجنة المركزية في دورتها الأخيرة، بالإجماع، يشكل خلاصات نقاشات وتحاليل وقراءات معمقة لمناضلات ومناضلي حزب التقدم والاشتراكية، لما يعتمر المشهد السياسي الوطني من إشكالات كبرى سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا، ليس فقط خلال الفترة التحضيرية التي تسبق المؤتمر، ولكن على امتداد الأربع سنوات الماضية، أي منذ المؤتمر الوطني التاسع، وهي أيضا، محاولة لطرح إجابات ممكنة، لقضايا فكرية وفلسفية وأيديولوجية تستأثر باهتمام التقدميين المغاربة.
ومن ثمة، فإن مشروع الأطروحة السياسية، والذي يؤسس لـ “نفس ديمقراطي جديد” يتمحور، وفق مقاربة منطقية متكاملة، حول ستة أبواب تطرح رؤية حزب التقدم والاشتراكية للمسألة الأيديولوجية باعتبارها الإطار المرجعي والمفاهيمي في تقعيد العمل الحزبي على أسس متينة لفهم الواقع المتغير وتحديد مقاربة الحزب لهذا الواقع المتحول، وتوضيح معالم مشروعه المجتمعي، في سياق منظومته الفكرية والقيمية، وأيضا رؤيته للعميلة السياسية في بعدها الشمولي.
وفي السياق ذاته، تحاول الأطروحة السياسية للمؤتمر الوطني العاشر، أن تطرح رؤية حزب التقدم والاشتراكية للأفق الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأيكولوجي، والتي يحرص من خلالها على طرح بديل تقدمي لمختلف الإشكالات الاقتصادية والسوسيو – ثقافية المرتبطة برؤيته للنموذج التنموي، انطلاقا من مرجعيته الفكرية وهويته الأيديولوجية، بناء على تحليل ملموس للواقع الملموس مع التحلي بالواقعية وعدم الانسياق وراء الشعارات الفضفاضة والمزايدات العقيمة، على اعتبار أن البديل الذي يطرحه الرفاق يعتمد على ما هو ممكن وقابل للتطبيق، انطلاقا من مقاربتهم للمسألة الاقتصادية التي لا تنفصل عن المسألة الاجتماعية التي تضع الإنسان في صلب العملية التنموية.
ويعالج مشروع الأطروحة السياسية، بالإضافة لما سبق، كل القضايا المجتمعية والثقافية، والتي تؤسس لمفهوم الوحدة والاختلاف في المجتمع المغربي، انطلاقا من مفهوم حزب التقدم والاشتراكية للحداثة باعتبارها مفتاحا لإعمال العقل والتحليل العلمي في مقاربة الواقع، وفي نفس الوقت القدرة على استيعاب الجديد والمساهمة في دينامية التقدم، وأيضا باعتبارها هي الجسر الممتد للانفتاح على العصر والتعامل الإيجابي مع منتوجاته المادية والقيمية والارتباط بالديناميات الكونية خاصة على مستوى الحقوق والحريات.
كما تتناول الأطروحة السياسية للمؤتمر الوطني العاشر، على غرار الأطروحات السابقة لمختلف مؤتمرات الحزب، المسألة الأمازيغية وكيف ينظر لها حزب التقدم والاشتراكية في سياق التراكمات الإيجابية المرتبطة بهذه المسألة منذ سبعينيات القرن الماضي إلى اليوم، خاصة مع دستور 2011 الذي أقر بتنوع وغنى مكونات الهوية الوطنية والعمل على حمايتها وتعزيزها ودسترة اللغة الأمازيغية كلغة وطنية وتراثا مشتركا لكل المغاربة وكلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، استجابة لمطالب ملحة ساهم حزب التقدم والاشتراكية في الدفاع عنها والترافع من أجلها كحق لغوي وثقافي للشعب المغربي.
وخصصت أطروحة المؤتمر الوطني العاشر لحزب الكتاب، حيزا لقراءة حزب التقدم والاشتراكية للأوضاع الدولية، في سياق أزمة الليبيرالية الجديدة المعولمة، وطرح هذه الأزمة في أبعادها المالية والاقتصادية والاجتماعية، وكذلك في بعدها الإيكولوجي، وكذا التجليات السياسية لهذه الأزمة، والمتمثلة أساسا في عدم الاستقرار والصراعات المسلحة، والإرهاب.
فيما خصص الباب الأخير من هذه الأطروحة، لإبراز القيمة المضافة لحزب التقدم والاشتراكية في المشهد الحزبي الوطني، وهويته ومهام المرحلة المنوطة به، مبرزا في هذا الباب، مفهوم اليسار في العصر الراهن كحامل لقيم سامية، وكتعبير عن طموح مقرون بالعمل في اتجاه بناء تنظيم جماعي يؤسس لعلاقات إنتاج جديدة، تقوم على التوزيع العادل للثروات.
كما يؤكد هذا الباب على تموقع حزب التقدم والاشتراكية فكريا وأيديولوجيا ضمن قوى اليسار كحزب وطني يساري ديمقراطي تقدمي اشتراكي ينبذ الدوغمائية والانتهازية، ويعتبر إشاعة القيم الكونية للتقدم والديمقراطية والحداثة والعقلانية من المهام المركزية لنضاله في الواجهة الفكرية والأيديولوجية، ويرفع لواء الدفاع عن قيم وممارسات العدالة الاجتماعية والنضال لأجل رفع الظلم والحيف عن الذين يؤدون ثمن الفوارق الطبقية من عمال وفلاحين وفقراء وكل الفئات المستغلة، وهو المنطق ذاته الذي يستند إليه في نضاله من أجل إقرار المساواة بين الرجل والمرأة والدفاع عن الحريات والحقوق الفردية والجماعية وعن الديمقراطية بأبعادها الشاملة والمتكاملة.
محمد حجيوي