كشفت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن وضعية حقوق الإنسان بالمغرب اتسمت خلال سنة 2018، بتراجعات كبيرة ومتواصلة للدولة المغربية وذلك على مستوى العديد من المكتسبات الحقوقية، التي حققتها الحركة الحقوقية.
وانتقدت الجمعية، في تقريرها السنوي الذي قدمته الجمعة الماضي بالرباط، تملص الدولة المغربية من التزاماتها الدولية في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، من خلال عدم إعمالها لمقتضيات الاتفاقيات والعهود الدولية، وعدم اكتراثها لتوصيات اللجان المعنية وتقارير المقررين الخاصين.
وأوضح التقرير الذي توصلت جريدة “بيان اليوم” بنسخة منه، أن سمات سنة 2018 اتسمت على المستوى الحقوقي، بـ”استمرار الدولة في نهجها التحكمي عبر مقاربتها التسلطية لضرب المكتسبات في جميع المجالات، وعدم التزامها بالقانون”، مقدمة نموذج محاكمات نشطاء حراكي الريف وجرادة الذي تميز بحسبها بـ”الأحكام الجائرة الصادرة في حقهم”، معتبرة إياه عنوانا لحالة حقوق الإنسان في المغرب، ومؤشرا لقياسها.
125 حالة وفاة
وفي ما يتصل بالشق المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، وبالخصوص، الحق في الحياة، فقد أحصت الجمعية ما يزيد عن 125 حالة وفاة خلال سنة 2018، موزعة على مخافر الشرطة أثناء الحراسة النظرية، والناتجة عن إطلاق الرصاص، وبداخل السجون، والناتجة عن حوادث الشغل، والانتحار…
ورصدت الجمعية، خلال السنة الماضية صدور 10 أحكام بالإعدام، ليبلغ بهذا عدد المحكومين بالإعدام، ما مجموعه 72 محكوما، مقابل 73 محكوما خلال سنة 2017.
وسجلت الجمعية، بحسب متابعتها ورصدها لقضايا الاعتقال السياسي والتعسفي، أن عدد المتابعين، بما في ذلك الذين أطلق سراحهم، والمعتقلين السياسيين ومعتقلي حرية الرأي والتعبير والاحتجاج السلمي قد بلغ ما مجموعه 525 حالة اعتقال ومتابعة.
وفي مجال التعذيب، فقد سجلت الجمعية استمرار ممارسة التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، سواء في مخافر البوليس والدرك والقوات المساعدة ومراكز القوات العمومية عموما، أو في السجون ومختلف مراكز الاحتجاز، أو في مواجهة القوات العمومية لمختلف أشكال الاحتجاج.
أما فيما يهم وضعية الحريات العامة بالمغرب خلال سنة 2018، فقد عرفت ترديا كبيرا نتيجة المقاربة القمعية، التي تعاملت بها الدولة مع التنظيمات السياسية والحقوقية والنقابية، ومع المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، ومع نشطاء الحراكات الاجتماعية الشعبية ومختلف الاحتجاجات السلمية.
وبخصوص حرية الإعلام والصحافة والإنترنيت، فإن نفس السنة شهدت تراجعا ملحوظا على مستوى حرية الصحافة والتعبير، وهو ما تجلى في محاكمة الصحفيين والمدونين ومديري بعض المواقع الإلكترونية.
ولاحظت الهيئة الحقوقية، أن حرية المعتقد بالمغرب لا زالت تواجه بعض الصعوبات، بالرغم من مصادقة الرباط على التصريح الختامي للدورة الخامسة والعشرين لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، يوم 21 مارس 2014، المتضمن لالتزام الدول باحترام “حرية المعتقد والحرية الدينية”.
سجون مكتظة
وفيما يرتبط بوضعية السجون، سجلت الجمعية أن جل السجون تعرف اكتظاظا، حيث “ينام السجناء في أوضاع لا إنسانية، مضغوطون مع بعضهم أو في الممرات أو حتى المراحيض الموجودة بالغرف”. وذلك ما تؤكده الإحصائيات الرسمية للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، التي تشير إلى أن المساحة المخصصة لكل سجين هي 1.89 متر مربع، وأن عدد الساكنة السجنية بلغ خلال سنة 2018 ما مجموعه 83.757 مقابل 83.102 سنة 2017.
وعرفت مجالات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مزيدا من الانتهاكات المتواصلة والإجهاز على المكتسبات، سواء تعلق الأمر بالحق في الشغل، أو الحق في الحماية الاجتماعية أو الحق في التعليم بجميع أسلاكه، أو الحقوق الثقافية واللغوية، أو الحق في الصحة.
أما في ما يتعلق بالحق النقابي، فقد وقفت الجمعية على طرد مجموعة من النقابيين بسبب نشاطهم النقابي، فيما جرى رصد انتهاكات للحق في الصحة والسلامة داخل مقرات العمل، كما هو الشأن بالنسبة لاستمرار الإصابات في صفوف العاملين في الآبار والمناجم العشوائية بمنطقة جرادة.
ووقف التقرير عند “مسألة استمرار الموقف السلبي للقضاء من حقوق العمال، وانحيازه إلى جانب المشغلين المنتهكين لقانون الشغل، ويتجلى ذلك في التأخير غير المبرر للدعاوى المرفوعة من طرف العاملات والعمال، أو إصدار أحكام غير منصفة لهم، ويوثق هذا التقرير عدة نماذج من هذه الدعاوي”.
وفيما يرتبط بالحق في السكن اللائق فإن سنة 2018، عرفت مجموعة من الانتهاكات، لاسيما تلك المرتبطة بحالات الإخلاء القسري من المساكن، سواء الفردية منها أو الجماعية، وتراكم العجز في إنجاز الوحدات السكنية وصعوبة الولوج إلى السكن اللائق بالنسبة لفئات واسعة من المواطنين والمواطنات.
وبالنسبة للحق في الصحة، فقد تميزت سنة 2018، بتخلف وتراجع المنظومة الصحية، حتى أضحى التطبيب لمن له القدرة على الدفع. فبالرغم من المجهودات المبذولة، والتحسينات المسجلة على مستوى بعض المؤشرات الصحية والوبائية والديمغرافية والتخطيط العائلي، لا تزال هناك العديد من المعوقات في مجال تحقيق التغطية الصحية الشاملة.
ولا زال الحق في التعليم، يواجه بالمغرب مجموعة من التحديات، تتمثل أولا؛ في ضرب مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص في الولوج إلى التعليم، بسبب النوع، أو لأسباب اقتصادية واجتماعية ومجالية، أو بسبب الأصل الوطني وانتشار الأمية، وثانيا في تدهور جودة النظام التعليمي، حيث ارتفاع نسب التكرار والانقطاع عن الدراسة، واستمرار الاكتظاظ رغم الإجراءات المتخذة، والخصاص المهول في أطر التدريس والأطر الإدارية، مع تكريس التعاقد والهشاشة في التوظيف والنقص في البنيات التحية المدرسية.
وفي مجال الحقوق الثقافية، أعاد التقرير التأكيد على أن حالة الثقافة، في سنة 2018، ظلت على حالها، من حيث ضعف الميزانية المرصودة لقطاع الثقافة (736.868.000 درهم مقابل 723.098.000 درهم خلال سنة 2017)، وتحكم منطق الموالاة في توزيع دعم الجماعات الترابية المخصص للجمعيات.
انتهاكات
من جهتها فإن الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية تتعرض لمجموعة من الانتهاكات، بحسب الجمعية، منها: الاستمرار في تعطيل الفصل الخامس من الدستور في جزئه المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والعمل على صيانة الحسانية، باعتبارهما جزءا لا يتجزأ من الهوية المغربية، فيما لم يتم إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية رغم مرور ما يقرب من عشر سنوات على الاعتراف الدستوري بذلك، “وهو ما يجسد شكلا من أشكال التمييز العنصري حسب الشرعة الدولية لحقوق الإنسان”، يوضح التقرير.
ووفق الجمعية، وفي الشق المتعلق بحقوق المرأة، فإن تصديق الدولة على عدد من الصكوك الدولية، وتعهدها بتنفيذ التزاماتها، لم يكن له أثر قوي على مستوى التشريع كما على مستوى الواقع، بسبب اعتماد الدولة لازدواجية المرجعية بالتذرع بالخصوصية الثقافية والدينية، كلما تعلق الأمر بحقوق المرأة.
أما فيما يتعلق بحقوق الطفل، فقد وقفت الجمعية على تزايد نسبة الأطفال غير المسجلين في الحالة المدنية حسب تقارير رسمية، وذلك، بسبب ضعف التدابير والإجراءات القانونية اللازمة لثبوت النسب، إذ تجد الأمهات العازبات صعوبة وتواجههن عدة عراقيل في إجراءات إثبات نسب أبنائهن، ولا يتم اللجوء إلى تحليل الحمض النووي إلا لماما، في حال رفض الأب البيولوجي، وهو ما يقوض المصلحة الفضلى للطفل…
وفي شأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فقد تميزت السنة بإحداث المركز الوطني للرصد والدراسات والتوثيق في مجال الإعاقة، وذلك في إطار تفعيل الرافعات الإستراتيجية للسياسة العمومية المندمجة للنهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة التي تم إطلاقها سنة 2015.
وأخيرا، سجلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في موضوع الهجرة واللجوء، أن سنة 2018 “لم تحفل بأي تحسن كبير، بالنسبة للأوضاع العامة للمواطنين/ات من دول جنوب الصحراء المتواجدين في بلادنا كمهاجرين أو طالبين للجوء”.
< يوسف الخيدر