زيارة ماكرون وتطلعات مرحلة..

انطلقت أمس الإثنين زيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب بدعوة من جلالة الملك محمد السادس، وتتواصل إلى غاية يوم غد الأربعاء، وتتجلى أهميتها، فضلا عن برنامجها والمتوقع منها للبلدين، في سياقها.
تأتي هذه الزيارة بعد فترة من التوتر والأزمة بين البلدين، وهي المرحلة التي استطاعت بلادنا، بتوجيهات من جلالة الملك، تدبير صعوباتها ومنغلقاتها بكثير من الواقعية والحزم، كما أن نهاية الأزمة بين الرباط وباريس ساهم في تحقيقها عقلاء كثيرون من داخل الطبقة السياسية والمجتمعية الفرنسية أيضا، وجرى تتويج كامل هذا التحول بالموقف الفرنسي من قضية الوحدة الترابية للمغرب، وعبرت فرنسا عن ذلك برسالة بعثها رئيسها إلى جلالة الملك، وجسدت إشارة قوية لبداية مرحلة أخرى مختلفة في العلاقات الثنائية.
الرئيس الفرنسي نفسه انتهى إلى الوعي بأهمية علاقات بلاده مع المملكة وضرورة التعامل مع قضاياها بالاحترام والتقدير اللازمين، ومن ثم جاء موقفه الداعم للسيادة المغربية على الصحراء ومساندة مقترح الحكم الذاتي، وأيضا الزيارة التي يقوم بها حاليا، كمداخل لإعادة بناء العلاقة الثنائية بين البلدين تكون قائمة على الثقة والاحترام وتقدير المصالح الأساسية للطرفين.
يتطلع المراقبون اليوم إلى الخطاب المتوقع أن يلقيه الرئيس الفرنسي أمام غرفتي البرلمان بالرباط وما قد يتضمنه من إشارات سياسية وديبلوماسية، وأيضا ما قد يعرضه بشأن معالم المرحلة الجديدة في العلاقات الثنائية بين الرباط وباريس، كما يتوقع أن تكشف المباحثات الثنائية القطاعية والاتفاقيات المرتقب التوقيع عليها أثناء الزيارة على أفق الشراكة الاقتصادية والتنموية الجديدة، وعلى المسار العام الذي ستنهجه لتقوية التقاليد الراسخة للتعاون الثنائي الإستراتيجي.
لا يمكن كذلك إغفال كون زيارة ماكرون للمغرب تأتي في الأسبوع نفسه الذي يشهد اختتام مناقشات الأمم المتحدة حول ملف وحدتنا الترابية، وهي المناقشات السنوية التي اقترنت هذا العام بالموقف الفرنسي الجديد الداعم للحق الوطني المغربي، وقبله موقف إسبانيا المماثل، والتحق البلدان، اللذان يعرفان تفاصيل وحيثيات وأسرار هذا النزاع المفتعل، بموقف الإدارة الأمريكية منذ عهد الرئيس السابق ترامب، كما أن الزيارة تأتي بعد أن خص جلالة الملك فرنسا ورئيسها بالشكر في خطاب افتتاح البرلمان مستهل هذا الشهر، وكل هذا يبرز محورية سياق الزيارة وأهميته، علاوة على التأكيد على أن المرحلة الجديدة في علاقات المغرب بفرنسا جرى الإعداد لها بواقعية وهدوء، ونجح المغرب في صياغة مفرداتها وزمنيتها، وبرزت قضية وحدتنا الترابية كأبرز مكتسب تحقق، وكتحد أساسي يدبر به المغرب علاقاته الدولية والإقليمية، كما أن فرنسا أدركت حاجتها إلى تطوير موقفها العام من هذا النزاع المفتعل واستحضار ما يحيط به اليوم من تحولات، وما يشهده من دينامية داعمة للموقف المغربي على المستوى الدولي.
وإلى جانب هذا التحول السياسي والديبلوماسي في موقف فرنسا من قضيتنا الوطنية، تؤكد دينامية العلاقات الجديدة بين البلدين على وعي باريس بالأدوار الريادية للمملكة على الصعيدين العربي والإفريقي، وعلى ضرورة التعاون مع المغرب على صعيد أزمات وقضايا القارة الإفريقية وتطلعات دولها وشعوبها إلى الاستقرار والسلام والديمقراطية والتنمية.
من المؤكد أن الشراكة الاقتصادية والتجارية بين المغرب وفرنسا مهمة وأساسية واستراتيجية، لكن باريس مدعوة للخروج من المنطق التقليدي القديم، والنظر للمملكة بمنظار مختلف يقوم على الثقة والاحترام وشراكة رابح – رابح، وهذا هو الدرس الجوهري الواجب تعلمه من سنوات الأزمة الثنائية الأخيرة.
الشراكة الاقتصادية بين البلدين يجب أن تتبلور على الفرص بشكل ملموس من خلال مشاريع حقيقية تنهض بالتنمية داخل المغرب، بما في ذلك في أقاليمه الجنوبية، وتواكب المخططات التنموية الإستراتيجية للمملكة في كل جهات البلاد، والتعاون الثنائي بين الرباط وباريس في القارة الإفريقية يجب أن يستحضر المنجز الفعلي للمغرب في عدد من مناطق القارة، وما تحقق له من نجاحات هناك، وأن تتواضع باريس قليلا لتتعلم كذلك من هذا النجاح المغربي، وتدرك ما تحظى به المملكة من ثقة وتقدير وعرفان في أوساط الشعوب الإفريقية.
واضح أن فرنسا تريد اليوم طي مرحلة الأزمة الأخيرة وبناء علاقات ثنائية جديدة مع المغرب، وهي نفس القناعة لدى المملكة شرط أن تتحول الأقوال والنوايا إلى أفعال ملموسة ومواقف عملية وبرامج حقيقية في الميدان، ولعل البداية هي ملف وحدتنا الترابية، ذلك أن فرنسا مطالبة بلعب أدوار أكبر في طريق الطي النهائي لهذا النزاع المفتعل واحترام الوحدة الترابية والسيادة المغربية، إلى جانب تمتين التعامل باحترام وثقة مع المملكة، سواء بشأن الشراكة الاقتصادية والتجارية أو التعاون الديبلوماسي الإقليمي والدولي أو ما يهم قضايا الجالية المغربية.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Top