وجع شهي

كان كل شيء يبدو رائعاً بيننا حتى مرّرت أصابعك بخفة وكتبت «أحبّك، فجأة تغيرت المسّميات في لحظة، لم أعد صغيرتك ولن تكون أمنيتي المؤجلة بعد الآن..
أنا لن أعود وأنت لن تنساني..
كُنتَ وجعا شهيا انتابني على نحو واسع مثل حلم بعيد أستغرق مقدار أسفٍ طويل،
سأحتَسي قهوَتي ببطء كالثواني الراقِصةِ على شُرفةِ الزمَن، كالرَذاذِ و هو يتَوالى في الانهِمار عندما تَبكي الغُيوم، كالموسيقى الكلاسيكية وهي تَشُقُّ بَطنَ الصَمتِ بهدوء..
كنتَ بمثابة بيت دافئ ألوذ إليه في كل تهيؤات الأشياء التي أخفيتُها عنك في ذاكرة النوارس التي أضافت إلى عمري شعورا آخر..
دائما ما كان ينتهِي بي المطاف بهذا القدر من الجرأة ممسكة بيدك إلى أعمق نقطة في قلبي، لم أرضخ يوماً ولم أقبل أن أبدو امرأة فقدت أزرار قلبها أمام رجل مُضاء بشكل غريب، لكنها الأرواح أدركت في النهاية بشارات الخلود .
أنا لن أعود وأنتَ لن تنساني..
الحقيقة المثيرة للاستفهام أنّي وبكامل انبهاري لازلت أتطلّع إليك على أنك استثناء، رجل مرصع بالاختلاف والغموض، متقلب الأهواء، وجهك مثير لكتابة الرسائل وعيناك خرافة تهزمني آخر الليل، وأما الرقص معك فهو تصوّر آخر مختلف تماما..
كنتُ دائما أحب الجلوس إلى جانب شاشة هاتفي أطل عليك من نافذة هذا العالم المزدحم بك، لكَم حالفني الحظ في البداية حين جمعتني الصدفة بك، فأكّدت أن الوقت قبلك لم أعشه إلا بدافع الفضول وأما بعدك بلغتُ فيه أقصى درجات العشق، كيف لرجل شارد ألاّ يكون لافتاً للحبّ؟!
لا أعرِفُ شيئًا، كل ما أعرفه عنك ومعك أنه أحيانًا يَتَغَلغَلُ في أرواحِنا الفَراغ، ويَستَقِرُّ الوجومُ بين شِفاهِنا كصَخرةٍ جاثِمة، فلا نَعودُ قادِرينَ على فِعلِ أي شَيء، ولا نُريدُ أن نكونَ أيَّ شَيء.
تُصبِحُ ألوانُ اللَوحةِ في غياب أرواحنا كلها مُتَشابِهة، ويَغدو كل طَعمٍ ماسِخًا بلا طَعم..
يَفقِدُ الهواءُ نَكهَتهُ في الطَريقِ إلينا، وتَغيبُ شَمسُنا وراءَ أكتافِ الغُيومِ كطِفلةٍ مُذنِبة.. ورغمَ كل هذا، نَبقى على قَيدِ المُحاولة.. نمارس هواية العشق بهدوء…
لا أعرفُ شيئًا سوى أن الاستسلامَ ليسَ مِن شيَمي، سأقوم، سأقِفُ مُنتَصِبةً شامِخة، سأكتُب، سأبدِع، سأقرأُ كل ما تَقَعُ عليه عَيني. سأفعلُ أي شَيءٍ غيرَ الاستِلقاءِ وتَعاطي الأحلام البارِدة.
لن أسمَحَ لهذا اليومِ المُتَبَجِّح بالمُرورِ قبلَ أن أنجِزَ شيئًا.


حين عرفتك أدركت أن السعادة أحيانا تكمن في ترك الأشياء التي بالغت في الحصول عليها، تكمن في التخّلي رغم أنّك تستحقها، دائما ابتسمت ابتسامة الحمقاء على الأفكار التي تراودني وأنا معك؛ فاشهد أيها الرجل المنفي في دمي أنّ السعادة أنتَ والوجع أنتَ، أنّ الحياة أنت والموت أنت، أنّ الانتصار أنت والهزيمة أنت، أنّ التساؤلات كلها تلفظ أنفاسها الأخيرة عند الامتثال أمامك أنت…
وجع لم تجربه، فلا تسألني كيف تُخيطين جرحك بكل هاته الدقة، كيف تعانقين الظلّ وتسكبين قلبك فوق هذا النزيف؟
الوخز في روحي وليس في أطراف أصابعي كونك الصداع الذي أعاني منه باستمرار..
لا أريدُ للموسيقى أن تَتعَب،
لا أريدُ للأغنيةِ أن تنتَهي،
لا أريدُ للفراشةِ أن تَهرُبَ من كَفّي الجائعةِ للحنان،
لا أريدُ للوردةِ أن تَنحَني انحناءتها الأخيرةِ دون أن يُصَفّقَ لها أحد،
لا أريدُ للكُتُبِ أن تُغلَق،
لا أريدُ للمطَرِ أن يتَوَقَّفَ عن الهُطول،
فهو يَروي ظمأَ روحي ويُخمِدُ نيرانَ قلبي باحتِراف،
أريدُ بَترَ سيقانِ الزمنِ المُتَنامية،
أريدُ أن أصبِحَ البَحر، باتِّساعِهِ واقتِباسهِ لزُرقةِ السماء، بهَيَجانهِ وثَورتهِ وهُدوئهِ المُخيف.
أريدُ أن أكونَ حُرّةً كالبَحر.
ملاحظة:
أنا لا أكتبك وإنما أتعافى بالكتابة عنك.

بقلم: هند بومديان

الوسوم
Top