يقر الجميع بإيجابية المرحلة التي تعيشها كرة القدم الوطنية، خاصة على مستوى مسار المنتخبات الوطنية، بجل الفئات ومن الجنسين، فما تحقق أدخل كرة القدم الوطنية التاريخ من بابه الواسع، إلا أن هذه الأهمية تفرض بالفعل، البحث عن كيفية استثمار هذا النجاح الاستثنائي، والسبل الكفيلة بضمان الاستمرارية، بنفس التوهج والتألق المثير للإعجاب والتقدير.
ويأتي الحرص على طرح الأسئلة الشائكة، انطلاقا من استحضار مجموعة من المعطيات، ذات الأهمية البالغة، وفي مقدمتها قيمة النتائج المحققة، والتي لم يستطع أي منتخب لا عربي، ولا إفريقي، ولا المنتخبات التي تصنف بـ “الصغيرة”، الوصول إليها من قبل، سواء بمونديال قطر، أو مسار منتخب الفوتصال، والمنتخب الأولمبي، وباقي الفئات العمرية، مع الإشادة بما تحقق ويتحقق، بكرة القدم النسوية…
والتركيز على أهمية الاستثمار في عوامل النجاح، يعود للإقرار بهشاشة الممارسة الكروية على الصعيد الوطني، انطلاقا من قاعدة تعيش إفلاسا ماليا حقيقيا، يعصف بالاستقرار المفروض أن تعرفه جل مكوناتها.
فالكل يقر بأن كرة القدم الوطنية تسير بسرعتين مختلفتين، فهناك إيقاع مرتفع تواصل به الجامعة عملها، وفق آليات التخطيط السليم واستراتيجية عمل واضحة، وهناك سرعة أخرى بقياس مختلف، تتحرك به الأندية الوطنية، يتسم بالبطء الشديد، وارتباك في المسار، إلى درجة أن هناك فرقا، لم تعد قادرة على أداء حتى أجور اللاعبين والمستخدمين التابعين لها.
هذا الإفلاس الحقيقي الذي تعشيه الأغلبية الساحقة من الأندية، والذي تحاول جاهدة التغلب عليه، بتدخل صارم من الجامعة والعصبة، يعود لعدة أسباب، منها غياب الموارد المالية الكافية لتلبية متطلبات التسيير، وضعف المردود الاقتصادي للممارسة بصفة عامة….
إلا أن أهم أسباب هذه الأزمة التي تعيشها القواعد، يعود إلى ضعف الحكامة في التسيير والتدبير، وانعدام الكفاءة وعدم الوضوح والشفافية في التعامل، وغياب المراقبة والمحاسبة.
إنه إشكال حقيقي لا يمكن معه انتظار أي تطور، يوازي ما تحقق بالمحطات التي وقفنا عليها، فكيف يمكن والحالة هذه، المطالبة بالاستثمار في النجاح؟
فحتى عندما تتوفر الإمكانيات المالية، وتقدم الموارد الأساسية، فإن طريقة التسيير تغلب عليها العشوائية وقلة المعرفة، وخاصة غياب الوضوح والتدقيق السليم، في الأرقام والحسابات والتقارير المالية، وهذا هو بيت القصيد.
فلا يعقل أن ترفع المطالب بضرورة توفير الدعم العمومي، أو الخاص للأندية، في ظل واقع غير سليم تماما، وفي ظل تسلط أشخاص بعينهم، حولوا بعض الفرق إلى محميات خاصة، بدون حسيب ولا رقيب.
صحيح أن هناك مسيرين يتصفون بالاستقامة، ونظافة اليد، لكن هذه العينة تعد قليلة وقليلة جدا، لأن الأغلبية الساحقة همها الوحيد، الاستمرار لأطول فترة ممكنة، والحرص كل الحرص على تحقيق مصالح شخصية، والاجتهاد بشتى الطرق القانونية وغير القانونية، من أجل تحويل الأندية إلى وسيلة للربح السريع، ومطية تمكن من الوصول بسرعة، إلى أعلى المراتب، واستثمار العلاقات الخاصة.
فبدون اتخاذ قرارات جريئة وسن إجراءات، وتطبيق تدابير حازمة، مع الحرص على تخليق الحياة الرياضية، لا يمكن أبدا تحقيق التطور المنشود، يؤهل كرة القدم والرياضة الوطنية عموما، حتى ولو تم صرف أكبر الميزانيات، وتخصيص أهم الموارد…
خلاصة القول، إن الورش الأساسي في عملية الإصلاح، ينطلق من فرض الحكامة في التسيير والتدبير، وسن حكامة رياضية عموديا وأفقيا، ثم بعد ذلك يمكن إيجاد الموارد الكافية للتمويل وتطبيق المشاريع، وجعل كرة القدم الوطنية رياضة منتجة، لا تعتمد فقط على المساعدات والهبات، وانتظار منح المجالس المنتخبة، ومبادرات السلطات المحلية بالعمالات والأقاليم…
>محمد الروحلي