أحيانا أتوقف وأقف في نقطة ما، وأتساءل:
ماذا يعني اليوم العالمي لشيء ما؟ اليوم العالمي للمدرس، للشعر، للمسرح، للشجرة، للأرض، للفلسفة.. أيام مميزة ذات أهمية .. لكنها لا يمكن أن تكون خارج زمانها الخاص والعام. لذا فإحساسنا بالزمن ( بإشكالاته و أسئلته) هو الكفيل بمنح هذه الأيام معنى وطعما خاصا. ودون ذلك ، تبقى هذه الأيام- الأعياد كسائر النهارات باردة محشوة باليومي وفضلات الناس التي لا تعرف لهذا المسرح مسرحا أولهذا الشعر شعرا … أو حتى لهذه الأرض أرضا: الرقعة والمجال والميدان. لهذا السبب، كلما حل يوم من هذه الأيام المعلومة، أجدني محدقا في الأرض والسماء أعني في عيون الناس، فلا أرى مسرحا يمشي ولا شعرا يصدح ولا فلسفة تسأل… وفي المقابل، فالأهل يهربون أعيادهم، أعني شعرهم و شعيرهم و مسرحهم الى القاعات و يتوهمون الإحتفال بشكل عالمي! أقول بعد أن تفرغ يدي من الكتاب، الحياة أعمق
وأجدر، ولكننا نعيش على الدوام خارجها كأن الفنون و الآداب لا تحقق فهما، ولا تعلم غوصا، ولا تطرح أسئلة …
أعود –والحال على حاله- يبدو هنا..هناك أن كل طرف أو جهة .. تحتفل باليوم العالمي كتركة وملكية خاصة من داخل مجتمع وثقافة ما على صورتهما. كأن الإحتفال بشيء آخر ، يعتبر أكثر أهمية من إحتفالات رمزية وذات أبعاد إنسانية..
وحين يكون الإحتفال في حدود اليوم بالنسبة للشعر؛ يتحول هذا الأخير عندهم إلى نوع ونمط.. فيضيع الزمن في الشعر و يضيع هذا الأخير دون حاضن أو موصل .. والواقع الذي لا غبار عليه ، هو أن الشعر على الرغم من مسيرته الراسخة في سلمه الطويل، لا زال في موقع ملتبس ضمن هذا العالم ، أعني إلتباس التلقي والتفعيل ليس بالمعنى الإديولوجي . وأكيد أن هذا الإلتباس آت من الحيف المركب الذي يطارد الشعر بالقولبة والتنميط ، وأحيانا بعدم الإكتراث والاستهلاك بأشكاله المختلفة؛ بل أكثر من ذلك قد نسيء لسيد الكلام بإخضاعه للبهرجة والفروسية القبلية بمعناها المعاصر الأكثر أناقة وإفحاما.
أهل الشعر وسلالاته الضاربة في الوجدانيات والكينونات ورؤى التخليق الإنساني، مطالبون اليوم بهندسة المكانة الحقيقة للشعر داخل هذا العالم انطلاقا من إبراز سؤاله المفصلي الذي يحاور الآخر كمرجع وواقع، وهو ما يقتضي في تقديري إثارة العلائق الغائبة الحاضرة للشعر بالخطابات الأخرى التي تأخذ منه بريقه وامتاعه وقوة وقعه أعني الخطاب الفلسفي والسياسي والتاريخي … بل التلقين المؤسساتي يساهم في قتله لأنه لايحببه ويقتل أناه العصية على الهضم الخلفي. لذا أتركوا الشعر يمشي بكامل صوته الصافي دون منصات وتوظيفات، دون التكلم باسمه، أتركوه يجري في المرايا المألومه التي ستتقعر وتمتد كما عمق الأنسان المسنهض لأي دوس أو اغتصاب ..أتركوه لحاله ومقتضاه بانصاف للنصوص عوض الأشخاص…
الشعر ليس إحساسا غفلا، أو نزوات في الهواء،بل استعارات ولعب وتمرد وقلب ورؤيا ونحت؛ كل ذلك اعتمادا على داخل اللغة الذي لا ينتهي. فكل نص شعري جديد جدير بهذ الإسم يجعلك تطرح سؤال الهوية الشعرية المتعددة والمتشكلة باستمرار.
ومع ذلك، نعترف لكل جميل بجميله بالقول إنه يوم آخر لصالح قيم الخير والجمال المعرضة للأعطاب. على أي، فهذه الأيام العالمية المعدودة، تعتبر لحظات مكتنزة، نعيد فيها النظر في الذات والكلام والعالم …وليتها منعطفات. لكن الأغرب، أن الأسئلة لا تتعدد والذوات لا تعرق والكلام لا ينفض جلده. فيبقى الكلام في الكلام والحياة في الحياة. وعلى الشعر السلام.
بقلم: عبد الغني فوزي