سعى الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينبينغ لحشد قادة آسيا خلف ما يمكن اعتباره “نظاما دوليا” جديدا لدى لقائهم الجمعة في إطار قمة تهدف لتحدي النفوذ الغربي.
لكن سرعان ما برزت التصدعات خلال القمة إذ قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للرئيس الروسي إن الآن “ليس وقت” إشعال نزاع في أوكرانيا بينما اندلعت مواجهات حدودية عنيفة بين قوات قرغيزستان وطاجيكستان فيما كان زعيما البلدين يشاركان في القمة.
من جهتها، اعتبرت واشنطن أن تصريحات بوتين الصادرة خلال القمة بشأن “المخاوف” الصينية والهندية المرتبطة بأوكرانيا تزيد الضغط على روسيا لإنهاء عمليتها العسكرية.
وجمعت قمة منظمة شنغهاي للتعاون المنعقدة في أوزبكستان بوتين ونظيره الصيني مع قادة الدول الأعضاء في المنظمة (الهند وباكستان وأربع دول في آسيا الوسطى)، إضافة إلى رئيسي إيران وتركيا.
وعقد بوتين وشي الخميس الماضي أول محادثات مباشرة بينهما منذ أرسلت روسيا قواتها إلى أوكرانيا في فبراير، في إطار أول رحلة إلى الخارج يقوم بها الرئيس الصيني منذ بدايات انتشار كوفيد.
واعتبر الكرملين القمة بديلا “للمنظمات المتمركزة حول الغرب” في وقت يزداد الضغط على موسكو بشأن أوكرانيا ويتفاقم غضب بكين من دعم الولايات المتحدة لتايوان.
وقال شي للقادة المجتمعين إن الوقت حان لإعادة تشكيل النظام الدولي و”التخلي عن المعادلات الصفرية والسياسات القائمة على تشكيل كتل”.
وأضاف أنه يتعين على قادة العالم “العمل معا لدعم تنمية النظام الدولي في اتجاه أكثر إنصافا وعقلانية”.
بدوره، أشاد بوتين بازدياد نفوذ الدول غير المحسوبة على الغرب، منددا بما وصفها “أدوات الحمائية والعقوبات غير القانونية والأنانية الاقتصادية”.
وقال بوتين إن “دور مراكز القوى الجديدة التي تتعاون مع بعضها البعض.. يزداد وضوحا”.
تعد القمة أول مناسبة دولية كبيرة يشارك فيها بوتين منذ أرسلت موسكو قواتها إلى أوكرانيا في فبراير في نزاع أسفر عن مقتل الآلاف وفرضت على إثره سلسلة عقوبات اقتصادية على روسيا.
لكن الأمور لم تمض بشكل مثالي بالنسبة للرئيس الروسي.
وخلال محادثاتهما، قال له رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي “فخامتك، أعرف بأن الوقت الراهن ليس وقت الحرب”.
من جهته، أكد بوتين لمودي أنه يدرك “مخاوف” الهند المرتبطة بالنزاع، في تكرار للتصريحات التي توجه بها لشي الخميس.
وأفاد “سنبذل كل ما في وسعنا لإنهائه في أقرب وقت”، بينما اتهم كييف برفض التفاوض.
وفي تعليقه على التصريحات، قال وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن “أعتقد أن ما سمعتموه من الصين والهند يعكس المخاوف السائدة حول العالم بشأن تداعيات العدوان الروسي على أوكرانيا، ليس على الشعب الأوكراني فحسب”. وأضاف “أعتقد أن ذلك يزيد الضغط على روسيا لوضع حد للعدوان”.
لكن بوتين أكد لاحقا أن روسيا لا تستعجل إنهاء حملتها العسكرية.
وقال خلال مؤتمر صحافي في ختام القمة إن “عملياتنا الهجومية في دونباس لا تتوقف، إنها تتقدم بوتيرة بطيئة.. خطة (العمليات) لا تستدعي تغييرا (…) لسنا مستعجلين”، مؤكدا أن “الجيش الروسي يحتل مزيدا من الأراضي الإضافية”.
وتأسست منظمة شنغهاي للتعاون التي تضم أيضا كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان عام 2001 كمنظمة سياسة واقتصادية وأمنية موازية للمؤسسات الغربية.
لكنها لا تزال بعيدة عن وحدة الصف الكاملة. وأرغم زعيما قرغيزستان وطاجيكستان على الاجتماع في القمة لإصدار أوامر لقواتهما بالانسحاب بعد مواجهات دامية على طول حدودهما المتنازع عليها والتي أثارت مخاوف من نزاع واسع النطاق.
والتقى الرئيسان الروسي والصيني أيضا نظيرهما التركي رجب طيب إردوغان الذي أكد للقادة المجتمعين وجود جهود “لإنهاء النزاع في أوكرانيا عبر الدبلوماسية في أقرب وقت”.
وأبلغ بوتين إردوغان الذي لعب دور الوسيط للتوصل إلى عدد من الاتفاقيات بين روسيا وأوكرانيا، بأن موسكو تتطلع لتعزيز علاقاتها مع تركيا وهي مستعدة لزيادة جميع الصادرات إلى البلاد “بشكل كبير”.
بالنسبة لبوتين، تمثل القمة محاولة لإظهار أنه لا يعاني من عزلة كاملة في الساحة الدولية، بينما تتعرض قواته في أوكرانيا لانتكاسات كبيرة.
أما شي، فرأى في القمة فرصة للتسويق لنفسه كرجل دولة يلعب أدوارا مهمة على الصعيد الدولي قبيل مؤتمر حاسم للحزب الشيوعي في أكتوبر، يتوقع أن يضمن خلاله ولاية ثالثة غير مسبوقة كرئيس.
أ.ف.ب