مــلـوك وسـلاطـيـن – الحلقة 15-

تاريخ كل أمة خط متصل، قد يصعد الخط أو يهبط، وقد يدور حول نفسه أو ينحني ولكنه لا ينقطع. ولعل كل أمة تنقب عن تاريخها وتصونه من أجل الرقي بحاضرها والتحضير لمستقبلها. وكذلك شأن المملكة المغربية التي اجتهد مؤرخوها لصون تفاصيل تاريخ يمتد لقرون طويلة عرف فيها المغرب عدة حضارات وساسه قادة وملوك وسلاطين. بيان اليوم حاولت النهل من كتب ومراجع ومخطوطات عديدة لتحضير هذه النافذة التاريخية لقرائها طيلة شهر رمضان الكريم، تطل من خلالها على ما مضى من مواقف ملوك وسلاطين المملكة اتجاه أبرز الأحداث.

على بن يوسف بن تاشفين (الجزء 1)

بعدما تطرفنا في الحلقات السابقة إلى قوة دولة المرابطون، سنتطرق في ثلاث حلقات إلى ابن سيوف بن تاشفين، وهو أبو الحسن علي بن يوسف بن تاشفين اللمتوني الصنهاجي (476 هـ/1083 م – 537 هـ/1143 م) خامس حكام دولة المرابطين في المغرب والأندلس الذي بلغت في عهده الدولة المرابطية أوج قوتها وضخامتها، وحكمها بين سنتي 500 هـ-537 هـ.

استلم علي بن يوسف دولة المرابطين سنة 500 هـ خلفًا لأبيه يوسف بن تاشفين، وقد دانت لها الأندلس والمغرب وأجزاء واسعة من غرب أفريقيا. أمضى علي سنوات حكمه الأولى في مجابهة ممالك قشتالة وأراغون والبرتغال وقطلونية المسيحية وبقايا ممالك الطوائف في شمال شبه الجزيرة الأيبيرية، وتحقق له في البداية بعض الانتصارات الهامة في أقليش وإفراغة واستطاع ضم سرقسطة آخر ممالك الطوائف الأولى في الأندلس سنة 503 هـ/1110 م، قبل أن تشتدّ شوكة مملكة أراغون في عهد مليكها ألفونسو المحارب وينتزع سرقسطة ومناطق واسعة من الثغر الأعلى من المرابطين.

وفي المغرب، واجه علي بن يوسف حدثًا جلل أرق ملكه منذ سنة 515 هـ وحتى وفاته سنة 537 هـ بظهور محمد بن تومرت وتأسيسه لحركة الموحدين التي ضعضعت ملك المرابطين وانتزعت منهم مناطق واسعة من المغرب، وتوفي علي بن يوسف والحرب بين المرابطين والموحدين في المغرب على أشدها.

بيعته

ولد علي بن يوسف بسبتة 4 ربيع الأول 477 هـ، وقد خلف أباه في نفس يوم وفاته أول محرم سنة 500 هـ/2 شتنبر سنة 1106 م، وفقًا لعهد التولية الذي استصدره أبوه قبل ذلك في قرطبة في ذي الحجة سنة 496 هـ، مقدمًا إياه على أخيه الأكبر أبي الطاهر تميم بن يوسف الذي بايعه هو وشيوخ لمتونة وباقي قبائل صنهاجة والأكابر والقادة قبل دفن أبيه. ثم كتب علي إلى سائر قواعد المغرب والأندلس، يعلمهم بموت أبيه، واستخلافه إياه ويأمرهم بأخذ البيعة له، فأتته البيعة من كل محل إلا فاس التي أبي واليها ابن أخيه يحيى بن أبي بكر بن يوسف بن تاشفين أن يبايعه، فسار علي إلى فاس بنفسه، ففر يحيى منها إلى تلمسان قبل أن يدخلها علي في 8 ربيع الآخر 500هـ/7 دجنبر 1107م. ثم تشفّع مزدلي بن تيولتكان والي تلمسان لدى علي ليعفو عن يحيى فعفى عنه. وبعد أن أخضع علي بن يوسف فاس، عبر إلى الأندلس لتفقد أحوالها، وهناك ولّى أخاه أبا الطاهر تميما على غرناطة، وجعله قائدًا أعلى للجيوش المرابطية فيما وراء البحر.

أحوال الأندلس “الحرب مع أراغون”

في سنة 504 هـ/1111 م، حاول عماد الدولة بن هود استرداد ملكه في سرقسطة بدعم من ألفونسو المحارب ملك أراغون، فخرج محمد بن الحاج والي سرقسطة في قواته، ولحقته قوات مرسية بقيادة محمد بن عائشة، فلما رأى ألفونسو تفوق المرابطين، انسحب إلى بلاده، فطاردته عساكر المرابطين فترة. وسارت قوة منهم بقيادة علي بن كنفاط اللمتوني نحو قلعة أيوب، وحاصرت بعض حصون عماد الدولة، فاستغاث ابن هود مجددًا بألفونسو المحارب، فأرسل قوة لنجدته هزمت المرابطين وأسر قائدهم ابن كنفاط، وبقي في أسر ابن هود فترة من الزمن. وفي سنة 512 هـ/1119 م، ألمّت بالمسلمين فاجعة بسقوط سرقسطة في يد ألفونسو الأول ملك أراغون بعد أن حاصرها شهورًا دون أن يتمكن جيش مرابطي يقوده تميم بن يوسف من إنقاذ المدينة.

بعد أن نظّم ألفونسو المحارب شؤون سرقسطة، تابع غزوه سنة 513 هـ/1120 م لباقي مدن الثغر الأعلى، فسار إلى طرسونة فافتتحها، ومنها إلى برجة فضمها أيضًا مع عدد من الحصون الأخرى، ثم زحف على قلعة أيوب. بلغت تلك الأنباء مسامع علي بن يوسف، فأرسل إلى أخيه إبراهيم بن يوسف والي إشبيلية بتجهيز الجيوش ودعوة الناس للجهاد، فاجتمع له قوات من قرطبة وغرناطة ومرسية وعدد كبير من المتطوعين، ودارت بين الفريقين معركة كتندة بالقرب من دورقة في 24 ربيع الأول 514 هـ/22 يونيو 1120 م، وانهزم المرابطون في المعركة هزيمة منكرة خسروا فيها نحو 20,000 من المتطوعين وعددا من الفقهاء أبرزهم أبو علي الصدفي وأبو عبد الله بن الفراء قاضي ألمرية، وانسحب إبراهيم بن يوسف في فلول الجيش إلى بلنسية، مما فتح الطريق أمام ألفونسو المحارب لضم قلعة أيوب ودروقة.

في أول شعبان 519 هـ/أول شتنبر 1125 م، خرج ألفونسو المحارب من سرقسطة في 5,000 فارس يصاحبهم 15,000 من المشاة، بعد أن راسله مسيحيو غرناطة بأسماء 12,000 مقاتل يستدعونه لغزو قلب أراضي المسلمين ودخول بلدهم غرناطة، فاخترق أراضي لاردة وإفراغة، وانتهبها ثم سار جنوبًا صوب بلنسية، فوصل أحوازها في 20 رمضان 519 هـ، فقاومته في بلنسية قوة مرابطية بقيادة أبي محمد يدّر بن ورقاء، فغادرها إلى جزيرة شُقْر ومنها إلى دانية فقاتلها 30 رمضان، ثم مر بشاطبة ومرسية وبرشانة، ثم سار إلى بسطة وافتتحها، ومنها إلى وادي آش أول ذي القعدة وقاتلها أيامًا، ثم اقترب من غرناطة، فتسرّب مسيحيوها من المدينة والتحقوا بقوات ألفونسو. وأمام هذه الحشود، جمع تميم بن يوسف والي غرناطة قواته، وأرسل إلى أخيه أمير المسلمين علي يستمدّه، فأمده بجيش كبير من المغرب على وجه السرعة، وانضمت إليه قوات مرسية وإشبيلية.

أما جيش ألفونسو فقد لبث بالقرب من غرناطة، يتأهب يمنعه عنها توالى الأمطار والجليد، ومسيحيو غرناطة يمدونه بالمؤن. ثم رحل عن غرناطة، بعد أن رأى وفرة الجيوش المدافعة عنها، وسلك طريق مرسانة إلى بيش، ومنها إلى قلعة يحصب فقبرة واللسانة وجيوش المسلمين تطارده، حتى بلغوا فحص الرينسول فوقعت بينه وبين المسلمين معركة، انتصر فيها المسلمون أول يوم، وفي المساء قرر تميم بن يوسف نقل خيمته من موقعها المنخفض إلى ربوة عالية، فظن الجيش أنه ينسحب واختل معسكره، فانتهز ألفونسو الفرصة وأوقع بالمسلمين الهزيمة. عبر ألفونسو بعد ذلك جبل الثلج، وعاد إلى بلاده يصحبه 10,000 من مسيحيي الأندلس الذين إنضموا إلى جيشه في حملته، خوفًا من انتقام المسلمين، وهو ما حدث حيث أمر علي بن يوسف بإجلاء قطاع كبير من مسيحيي الأندلس إلى المغرب لما كان منهم من «نقض العهد والخروج على الذمة»، بعد أن أفتاه علماء مسلمون منهم أبو الوليد بن رشد بذلك، وتم ذلك في رمضان 521 هـ.

في سنة 523 هـ/1129 م، هاجم ألفونسو المحارب القليعة بالقرب من جزيرة شقر جنوبي بلنسية، وهزم قوة من المسلمين بقيادة ابن مجور وخسر المرابطون نحو 12,000 بين قتيل وأسير. ثم حاصر ألفونسو بلنسية دون أن يتمكن من اقتحامها، بعدئذ أغارت على غليرة الواقعة على البحر جنوبي بلنسية، واكتسحها. ثم انشغل ألفونسو المحارب بضعة أعوام، بالحرب مع منافسه ملك قشتالة الفتى ألفونسو السابع، وانتهت هذه الحرب بعقد الهدنة بين قشتالة وأراغون في سنة 1130 م.

بعد الهدنة، شن ألفونسو المحارب حملة لانتزاع الأراضي الواقعة في مثلث ما بين نهري سينكا وسغري وحتى مرفأ طرطوشة مصب نهر إبرة في البحر المتوسط، فبدأ بالزحف على مكننسة، ودخلها بعد مقاومة عنيفة في شعبان 527 هـ/يونيه 1133 م. ثم توجّه منها إلى إفراغة وحاصرها. فهرع إليها نجدات المرابطين، وصمدت حامية إفراغة بقيادة سعد بن محمد بن مردنيش، حتى أدركته النجدات، ودارت معركة حامية تحت أسوار إفراغة بين قوات المرابطين وقوات قشتالة، هُزم فيها القشتاليون هزيمة نكراء في 23 رمضان 528 هـ/17 يوليه 1134 م، مات بعدها بأيام ألفونسو كمدا وحسرة. وفي سنة 524 هـ، خرج ينتان بن علي بن يوسف لغزو أراضي أراغون، فلقيته قوات أراغونية يقودها الكونت غاستون دي بيارن، فهزمها ينتان، وقتل الكونت.

إعداد: أنس معطى الله

Top