مخاوف من تراجع التمويل العالمي للبرامج الصحية والاستجابة للأوبئة

أعربت منظمة الصحة العالمية، عن أسفها للإعلان عن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من المنظمة. وعبرت عن أملها “أن تعيد الولايات المتحدة النظر في قرارها”، دعية إلى “حوار بناء للحفاظ على الشراكة” بين الولايات المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، لصالح صحة ورفاهية ملايين البشر في جميع أنحاء العالم.
وقالت المنظمة في بيان لها أول أمس الثلاثاء، إنها تلعب دورا حاسما في حماية صحة وأمن شعوب العالم، بما في ذلك الأميركيين، من خلال معالجة الأسباب الجذرية للأمراض، وبناء أنظمة صحية أقوى، واكتشاف حالات الطوارئ الصحية والوقاية منها والاستجابة لها، بما في ذلك فاشيات الأمراض، غالبا في أماكن خطيرة لا يستطيع الآخرون الذهاب إليها.
وأضافت المنظمة أن الولايات المتحدة كانت عضوا مؤسسا لمنظمة الصحة العالمية في عام 1948 وشاركت في تشكيل وإدارة عمل منظمة الصحة العالمية منذ ذلك الحين، جنبا إلى جنب مع 193 دولة عضو أخرى، بما في ذلك من خلال مشاركتها النشطة في جمعية الصحة العالمية والمجلس التنفيذي. وأشارت أنه، على مدى أكثر من سبعة عقود، أنقذت منظمة الصحة العالمية، بمعية الولايات المتحدة والدول الأعضاء الأخرى، أرواحا لا حصر لها وحمت الأميركيين وجميع الناس من التهديدات الصحية. وذكر البيان أن المنظمة نفذت على مدى السنوات السبع الماضية “أكبر مجموعة من الإصلاحات في تاريخها، بهدف تحويل المساءلة والفعالية من حيث التكلفة والتأثير في البلدان”.
ووقع الرئيس دونالد ترمب، الاثنين الماضي، على أمر تنفيذي يوجه الولايات المتحدة بالانسحاب من “منظمة الصحة العالمية”، وهو قرار من شأنه أن يقطع أحد أكبر مصادر التمويل لمجموعة المساعدات الدولية والاستجابة للأمراض.
ولم تتوفر تفاصيل الأمر التنفيذي، الذي كان من بين سلسلة من الإجراءات التنفيذية التي وقعها ترمب يوم الاثنين في المكتب البيضاوي، على الفور بعد تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة.
وقد يؤدي خروج الولايات المتحدة إلى نقص التمويل الحاسم. خلال دورة الميزانية 2024-2025، بلغت مساهمات الولايات المتحدة 662 مليون دولار، أو 19% من إجمالي إيرادات الوكالة، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
محاولة سابقة

في نهاية ولايته الأولى، حاول ترمب سحب الولايات المتحدة من الهيئة الدولية، قائلا إنها أذعنت كثيرا للحكومة الصينية في الأيام الأولى من تفشي فيروس كورونا، ولم تتحرك بسرعة كافية لاحتواء انتشار الفيروس. لكن تنفيذ هذا القرار تعثر بسبب قانون قديم من الكونغرس يلزم الرئيس بتقديم إشعار قبل عام ودفع المستحقات المالية.
وتمكن جو بايدن من إلغاء قرار ترامب بعد انتخابه في 2020. أما هذه المرة، فمن المرجح أن يواجه ترامب عقبات أقل، حيث يمكنه في أول يوم له في منصبه تقديم إشعار بالانسحاب من منظمة  الصحة العالمية ، على أن يبدأ التنفيذ  في يناير 2026.
خطوة “كارثية”

ويتوقع الخبراء في الصحة العالمية أن هذه الخطوة ستكون “كارثية”، وستشكل ضربة قوية لميزانية المنظمة وقدرتها على تنسيق البرامج والسياسات الصحية الدولية.
فالولايات المتحدة تعد من أكبر المساهمين في ميزانية المنظمة حيث تؤمن حوالي ربع إجمالي التمويل، متفوقة بذلك على الصين واليابان وألمانيا. إضافة إلى ذلك، يمكن للدول تقديم تبرعات طوعية، وهو ما تقوم به الولايات المتحدة. ففي الدورة الحالية، تبرعت الولايات المتحدة بما يقارب مليار دولار لدعم ميزانية المنظمة.
كما أن حوالي نصف تمويل منظمة الصحة العالمية يأتي من المنظمات غير الحكومية. على سبيل المثال، تبرعت مؤسسة “بيل ومليندا غيتس” بمئات الملايين من الدولارات، مما جعلها ثاني أكبر مساهم في تمويل المنظمة بعد  الولايات المتحدة .
وتعد الولايات المتحدة كذلك أكبر ممول للصندوق العالمي لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية والسل والملاريا. وهي تمول برامج محلية مثل برنامج “بيبفار”، الذي يتصدى لفيروس نقص المناعة البشرية في أكثر من 50 دولة. وهكذا فإن خفض التمويل الأميركي من شأنه أن يأتي في وقت سيء بالنسبة للمنظمات غير الربحية، التي تكافح من أجل الاستمرار، بسبب تخفيضات من جانب مانحين آخرين من الدول الغنية مع تلاشي ذكرى جائحة كوفيد-19.
خطر زيادة تفشي الأمراض وضعف الاستجابة

يشعر الخبراء بالقلق من أن انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية سيؤدي إلى ضعف الاستجابة للأمراض والأوبئة ومكافحة انتشارها، خاصة في الدول النامية وذات الإمكانيات المحدودة، وخاصة كذلك في ظل إمكانية أن تحذو بعض الدول حذو الإدارة الأمريكية بإيقاف دعمها للمنظمة. ويتخوف الخبراء أيضا من تراجع تمويل البحث العلمي في مجال مكافحة الأمراض والأوبئة وإنتاج اللقاحات، في ظل احتمال كبير لرفض إدارة ترامب الثانية لأفضل الممارسات العلمية، مما سيؤدي إلى نشر معلومات مضللة على مستوى العالم. ويستشهد الخبراء بترشيح ترامب لروبرت إف كينيدي جونيور، وهو من أبرز دعاة مكافحة اللقاحات، لمنصب وزير الصحة والخدمات الإنسانية.
مدير الوصول إلى الأدوية في منظمة (Public Citizen)، بيتر مايباردوك، يقول إن تثبيط حملات التطعيم من شأنه أن يهدد “حياة ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم.. وقد يؤدي التضليل إلى تراجع أحد أهم إنجازات البشرية خلال الـ100 عام الماضية”.
ويرى بعض المحللين أن الانسحاب من منظمة الصحة العالمية سيعرض الولايات المتحدة نفسها لمخاطر أكبر في مواجهة  تفشي الأمراض.
وفي هذا السياق، يقول جوستين: “الولايات المتحدة قادرة على تحقيق الكثير بمفردها، لكن منع الأمراض الجديدة من عبور حدودها ليس من الأمور التي يمكنها القيام به لوحدها”. وأشار إلى التهديدات المرتبطة بانتشار إنفلونزا الطيور(H5N1) حاليا في الولايات المتحدة، مؤكدا أنه “إذا انسحبت الولايات المتحدة، فلن يكون لدينا الوصول إلى المعلومات العلمية اللازمة لمكافحة الأمراض التي تنتشر عالميا”.
ويضيف جوستين “منظمة الصحة العالمية  تراقب جميع سلالات الإنفلونزا حول العالم، بالتعاون الوثيق مع المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض. هذه البيانات تستخدم في تطوير اللقاحات والعلاجات. دون هذه الشراكة، سنكون في وضع يصعب فيه اتخاذ الإجراءات المناسبة”.

Top