إبراز نجاحات سياسة المواطنة بالمغرب في تعزيز النسيج الوطني المتعدد

علي أومليل: نمط التربية والتعليم العربي يساعد على إنتاج ثقافة الظلام

الثقافة لم تعد مجرد كتب ومسارح ودور سينما بل أضحت صناعة رأسمال بشري مندمج في المنظومة العامة ومنتج ومبدع شكل موضوع “سياسة المواطنة.. التجربة المغربية” محور جلسة خاصة لمؤتمر فكر 13 السنوي، بالصخيرات، تمحورت حول نجاح سياسة المواطنة في المغرب، ودورها في تعزيز الحفاظ على النسيج الوطني المتعدد في إطار من الوحدة السياسية والحضارية المتماسكة والمتنامية.
وبحث المتدخلون في هذه الجلسة، إشكالية المواطنة في الفكر السياسي العربي، وبخاصة بعد الزلازل التي ضربت بنية المجتمعات العربية.
كما بحث المتدخلون إمكانية بلورة مواطنة كاملة في ظل مجتمعات تفتقر إلى الديمقراطية، وأبرز الإواليات السياسية العملية التي خطاها المغرب على درب تحقيق  الديمقراطية، ومدى إمكانية اعتبار دولة المواطنة، دون غيرها، الحاضن الثابت  والضامن للتنوع الإثني والديني والثقافي في المجتمعات التعددية.
وفي هذا الصدد، أبرز محاور الجلسة، علي أومليل، المفكر وسفير المغرب بلبنان، أنه بدل الحديث عن الاستثناء المغربي، يفضل الحديث عن الخصوصية المغربية، باعتبار أن  لكل بلد عربي خصوصية.
وعزا أومليل الخصوصية المغربية إلى الجغرافيا، إذ أن البحر الأبيض المتوسط شكل منذ أمد بعيد مطية للأسفار ولكن أيضا مصدرا للتهديد من قبل الإيبيريين (إسبانيا والبرتغال) في الشمال، والعثمانيين في الشرق، علاوة على مخاطر الصحراء الكبرى.
وأضاف الديبلوماسي المغربي أن محاصرة المغرب بالجغرافيا منذ أزيد من 13 قرنا كونت لديه، وهو مضطر، خصوصية تتمثل في المعمار والطبخ والموسيقى وغيرها من المظاهر  الثقافية والحضارية.
وأشار إلى أن للثقافة مدلولين أحدهما إيجابي يتمثل في الأدب والفكر والفن، وهو مصدر ثراء للمغرب والمشرق، وآخر سلبي حين يتم اختزال الثقافة في عقيدة جامدة تسيطر عليها جماعة واحدة وتستولي على الوسائل التكنولوجية، فتنتشر ثقافة الظلام.
وأكد أومليل أن نمط التربية والتعليم العربي يساعد على إنتاج ثقافة الظلام هذه، خاصة أن نظام التعليم في البلاد العربية يسير بسرعتين ويشطر المجتمعات إلى شطرين، فالأول تعليم عمومي متخلف مناهجا ومضمونا يؤدي إلى البطالة، والآخر تعليم  خصوصي مكلف لكن خريجيه مطلوبون في سوق الشغل.
وشدد علي أومليل على إصلاح التربية والتعليم، باعتبار أن الثقافة لم تعد مجرد كتب ومسارح ودور سينما، بل أضحت صناعة رأسمال بشري مندمج في المنظومة العامة ومنتج ومبدع.
أما أحمد سراج، أستاذ التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة المحمدية، فقد أكد على ضرورة استكشاف أصول المواطنة بعيدا عن المزايدات السياسية، واللجوء إلى المصادر التاريخية الموثوقة.  
وأضاف سراج أن هناك نسقين حضريين في المغرب أثرا في تشكيل المواطن المغربي بمفهومه الحالي، أولهما النسق الروماني إذ شكل المغرب جزءا من الإمبراطورية الرومانية، والنسق الإسلامي الذي بدأ من حيث انتهت روما، واعتمد في الإدماج على تقاسم العقيدة مع التوصل بالحقوق وأداء الواجبات.
ولخص مؤلف كتاب “الأسس التاريخية للمواطنة المغربية.. محددات وثوابت” هذه المواطنة في المحدد الجغرافي (وحدة المجال)، والارتباط بالجماعة في ظل التعدد، ووحدة المذهب المالكي منذ العهد المرابطي، والولاء للمجال والجماعة والمذهب، وأدى إلى الولاء لرمزها المتمثل في السلطان.
وتناول عبد الحميد بنخطاب، الأستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط أكدال، من جانبه، تعريف المواطنة من زاوية أنتربولوجية وأخرى قانونية سياسية، وذلك اعتمادا على مقاربة للبناني ريمون جموس الذي درس منطقة  الشمال المغربي لحوالي سنتين والفرنسي بيار بورديو الذي درس منطقة جزائرية للمدة نفسها تقريبا.
وأوضح بنخطاب في ذات السياق، أن المواطنة بهذا المفهوم الأنتربولوجي تمثلت في كون المواطن راشدا متزوجا مسلما تابعا للجماعة من حيث العرق ومقيما بالقبيلة باعترافها، فيما تمثل الشرف في تملك ما يحظر على الآخرين من نساء وأراض.
وأضاف أنه تم طبقا لهذا التحديد لمفهوم المواطنة لدى المغاربة إقصاء المرأة (الراشد اقتصاديا واجتماعيا والقاصر سياسيا) والقاصرين وأهل الذمة والأجانب، قبل أن يتطور بعد الاستقلال مع ظهور الدولة المؤسسة فأصبحت المواطنة تعني الانتماء  القانوني والسياسي (البطاقة الوطنية، جواز السفر، …)، والانتماء الوجداني (المهاجرون…).
وأفاد بأن الهوية، وهي أساسية في تحديد مفهوم المواطنة بل لا تستقيم إلا بها، بناء ثقافي جمعي لاكتشاف الذات والعالم، وتصور اختياري لا إكراه فيه يتم امتلاكه عن الذات وعن العالم.
وبخصوص آليات المواطنة في سياق دستور2011، أشار الباحث إلى أنها تتمثل في المشاركة في الانتخابات (الديمقراطية التمثيلية…)، والمشاركة في عملية اتخاذ القرار العمومي وتدبير السياسات العمومية، والمشاركة في الحياة السياسية بطريقة  سلبية (الاحتجاج السلمي المؤطر قانونا…).
وأضاف بنخطاب أن هذه الآليات تمثل أيضا في التشاور العمومي (الإنصات للمجتمع المدني)، وتقديم الملتمسات في المجال التشريعي (الفصل 14)، وآلية تقديم العرائض على المستوى الوطني (الفصل 15 والفصل 139).
أما معيقات المواطنة، فأجملها في معيقات ثقافية، وأخرى مؤسساتية ترتبط بطريقة استقطاب النخب وتطويرها بطريقة تقليدية مخالفة لمفهوم ماكس فيبر القائم على العقلانية، ومعيقات ذاتية (عزوف المواطنين)، ومعيقات خاصة بالديمقراطية التمثيلية التي تقصي شرائح مجتمعية معينة.
وقدم عز الدين العلام، الأستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، في مداخلته، ثلاث ملاحظات تتعلق بغياب المفهوم، والعوائق التي حالت دون تحقق المواطنة الكاملة، وصعوبات الانتقال إلى الديمقراطية.
وأوضح أن مفهوم المواطنة حديث في اللغة السياسية العربية، إذ لم يرد لها ذكر من عبد الله بن المقفع إلى الفقيه الشوكاني في الشرق، ومن الفقيه المرادي في العصر المرابطي إلى الأدبيات السياسة في القرن التاسع عشر.
وبخصوص الملاحظة الثانية، ذكر الباحث بأن المغاربة الذين توجهوا إلى الغرب في  فترة معينة (العمراوي والصفار…) واجهوا مفاهيم غريبة عليهم من قبيل المواطن والجمعيات التمثيلية التي سماها العمراوي مثلا “وكلاء الرعية”.
كما تحدث عن الصعوبة السياسية المتمثلة في أن تجارب 1906 و1908 لا علاقة لها بالدساتير، ولا توجد بها كلمة مواطن بل ألفاظ مثل الناس والساكنة والأمة، فيما اهتمت الأدبيات السياسية للحركة الوطنية المغربية بالمطالبة بالاستقلال لا  بالمواطنة.
وقال العلام إنه طفت على السطح بعد الاستقلال صعوبات الانتقال إلى المواطنة التي تفترض الدولة الحديثة والقيم الفردانية والتمثيلية والعلاقة التعاقدية بين المحكومين والحاكمين، كما برز التفكير في بناء الدولة (إدارة، شرطة، جيش، مدارس…).
وخلص إلى أنه بدأ الحديث منذ أواخر التسعينات التي شهدت نهضة المجتمع المدني وعولمة الحقوق المدنية والصيرورة التاريخية عن ضرورة الانتقال نحو المواطنة والديمقراطية وبوادر تحققها في مجتمع يتحرك.

Top