من المؤسف حقا الإقرار بأن الرياضة المغربية لم تحقق إنجازات كثيرة على مدار أزيد من قرن من الممارسة والتنافس، سواء خلال فترة الحماية الفرنسية أو بعد استقلال البلاد، بل حتى في الألفية الثالثة ما تزال الكثير من رياضاتنا عاجزة عن بلوغ قمة الهرم رغم توفرها على إمكانيات لم تكن متاحة في السابق. ومن المؤسف أيضا أن ترتبط الإنجازات القليلة-في المجمل- بمجهودات فردية لرياضيين استثنائيين، وفي رياضة واحدة هي ألعاب القوى، بداية بالثنائي الذهبي سعيد عويطة ونوال المتوكل، مرورا بالبطلين إبراهيم بولامي وخالد السكاح والأسطورة هشام الكروج، انتهاء بالأيقونة سفيان البقالي. فالجيل الرائع لمنتخب كرة السلة في الستينيات ذهب ولم يعد، وإنجازات الملاكمة لم تتخط 4 ميداليات أولمبية و4 أخرى في بطولات العالم، أما باقي الرياضات الشعبية فلم تحرك ساكنا وظلت إنجازاتها متواضعة ومرتبطة بمسابقات محلية أو إقليمية أكثر من التوهج على الصعيدين القاري والدولي. وحتى وإن كان منتخب كرة القدم يطارد لقبا قاريا ثانيا منذ 47 سنة، فقد نجح مؤخرا في تخطي إنجازه التاريخي في نهائيات كأس العالم 1986 بالمكسيك، بملحمة استثنائية أوصلته إلى دور نصف نهائي مونديال قطر 2022، مزكيا للتطور المذهل التي عرفته الكرة المغربية في العقد الأخير ليس على مستوى المنتخب الأول، بل على صعيد نتائج الأندية والكرة النسوية. وتزامنا مع الملحمة الخالدة للفريق الوطني، اختارت “بيان اليوم” نبش إنجازات الماضي البعيد والقريب، للرياضة المغربية، إنجازات على قلتها، لن ننساها أبدا.
الفرسان الثلاثة للتنس المغربي
ما بين منتصف التسعينات ومطلع الألفية الثالثة، تحققت أفضل إنجازات التنس المغربي عبر ثلاثة فرسان هم يونس العيناوي (1990-2009) وهشام أرازي (1993-2007) وكريم العلمي (1990-2003)، ثلاثي صال وجال على مستوى أكبر وأعرق بطولات الكرة الصفراء.
البداية مع العيناوي الذي استهل مشواره في كرة المضرب كمحترف في سن الـ19، وسط معارضة قوية من أسرته ما اضطره العمل من أجل أداء رسوم انضمامه لأكاديمية بوليتيري بولاية فلوريدا الأمريكية، قبل أن يرضخ والده لطموحه الكبير ويقرر دعمه ماديا للتركيز على مسيرته الرياضية.
شيئا فشيئا، بدأ العيناوي يتسلق سلم الترتيب ومن دوريات صغيرة انتقل للمشاركة في بطولات عالمية، ليصل في ظرف وجيز إلى المرتبة الـ30، قبل أن يحقق سنة 1995 إنجازا تاريخيا بوصوله إلى ربع نهائي بطولة “رولان غاروس”، ورغم تعرضه لإصابة قوية كادت تنهي مشواره، نجح في العودة مجددا للواجهة بفضل دعم كبير من زوجته الفرنسية.
حقق العيناوي طيلة مسار 19 عاما من الاحتراف، 5 ألقاب (أمستردام 1999 وبوخارست وقطر 2001 والدار البيضاء وميونيخ 2002)، وبلغ أدورا متقدمة بويمبلدون وبطولتي أمريكا وأستراليا، ووقف ندا لأبرز نجوم اللعبة كالسترالي ليتون هيووت والأمريكي أندري أغاسي، والكل يتذكر المباراة الماراطونية أمام الأمريكي أندي روديك سنة 2003، ما جعله يحقق أفضل تصنيف له في المركز الـ14.
فارس آخر من فرسان التنس المغربي، أرازي الذي ارتبط برياضة التنس في سن الخامسة بمساندة من والده الذي كان مدربا للعبة، ولعب لفرق دون 13 و17 عاما بدوريات وطنية ودولية، قبل أن يقتحم عالم الاحتراف في 1993.
وسنة 1997 تمكن أرازي الذي وصل إلى المركز الـ21 في التصنيف العالمي، من التتويج بلقب دوري الدار البيضاء ضمن سلسلة اتحاد اللاعبين المحترفين، ووصل إلى ربع نهائي “رولان غاروس” مرتين، وبلغ ربع نهائي بطولة أستراليا سنة 2000، محققا 15 انتصارا ضد العشرة الأوائل أبرزهم الأمريكي أندري أغاسي والنمساوي توماس موستر، كما حقق انتصارا تاريخيا على الأسطورة السويسري روجيه فيدرر.
بدوره، احترف العلمي التنس في سن الـ17، مستفيدا من طوله الفارع (185 سنتيمتر)، وفجر مفاجأة من العيار الثقيل بإقصائه المصنف الأول عالميا آنذاك الأمريكي بيت سامبراس في بطولة الدوحة سنة 1994، قبل أن يتوج بلقبي بطولتي أطالانطا وباليرمو سنة 1996، ووصل إلى أفضل تصنيف له سنة 2000 (المركز الـ25).
إنجازات هذا الثلاثي الساحر ما تزال إلى يومنا شاهدة على حقبة ذهبية عاشها التنس المغربي، حقبة مكنت المنتخب الوطني من الوصول إلى المجموعات العالمية الأولى ضمن منافسات كأس ديفيس سنة 2001، حقبة ربما لن تكرر في المستقبل القريب أو حتى البعيد.
إعداد: صلاح الدين برباش