افتتاح دورة البرلمان…

يفتتح البرلمان، اليوم الجمعة، أشغال دورته الخريفية برئاسة جلالة الملك، الذي يلقي خطابا ساميا وفق ما ينص عليه الدستور، ويتطلع الجميع لما سيتضمنه الخطاب الملكي من توجيهات وقرارات تمثل جدول أعمال الدخول السياسي والتشريعي الجديد.
الدورة البرلمانية الجديدة، بمقتضى طبيعتها وجدول أعمالها، تشهد دراسة وإقرار مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، كما ستطرح عليها نصوص قانونية أساسية تشغل بال المتابعين لشأننا الوطني، علاوة على أن مجلس المستشارين، سيشهد، من جهته، استحقاقا انتخابيا داخليا بحكم القانون، وإن كانت معظم المؤشرات تدل على أنه بلا أي رهانات كبرى.
ومع ذلك، فإن الدورة الخريفية لغرفتي البرلمان محكومة بسياقها السياسي والاجتماعي العام في البلاد، ما يجعل انتظارات المغاربة من المؤسسة التشريعية متصلة بتطلعاتهم المرتبطة بمشكلات الفقر وتردي القدرة الشرائية وتنامي الغلاء والتضخم، فضلا عن استمرار الاحتقان في عدد من القطاعات( التعليم، الصحة، العدل…)، وغياب الحوار المجتمعي العام، سواء في الفضاء السياسي أو على صعيد الحوار الاجتماعي، وصمت الحكومة وعجزها عن أي حضور سياسي أو تواصلي أو تدبيري في الملفات الاجتماعية والتنموية التي تشغل الأسر المغربية.
افتتاح البرلمان هذا اليوم يأتي ضمن تناسل ملفات فضائح تورطت فيها شخصيات سياسية وبرلمانية قريبة من مكونات الأغلبية الحكومية، وتنامي المطلب الشعبي من أجل الإصلاح ومحاربة الفساد وتخليق الحياة السياسية وفضاء الأعمال.
افتتاح دورة البرلمان يأتي كذلك ضمن مشهد سياسي وإعلامي بئيس وباعث على النفور والقلق، ووسط ضعف مخيف للثقة في البرلمان والمؤسسات السياسية والانتخابية، ومن ثم تبرز اليوم حاجة البلاد كلها إلى استعادة ثقة الشعب في المؤسسات وفي دولة المؤسسات، والسعي لتخفيف حدة الاحتقان الاجتماعي، وإشعاع الطمأنينة والنفس الانفراجي العام في البلاد.
وليس تغيير وجوه بعض الوزراء أو إعمال تعديل شكلي في الحكومة الحالية هو ما سيكون الحل لكل ما سبق، ولكن الأمر يقتضي تغييرا حقيقيا في التوجهات والسياسات والممارسات، وذلك بما يعبر عن إنصات فعلي وحقيقي لانشغالات شعبنا، ويتفاعل مع التحديات المطروحة اليوم على بلادنا.
إن تمتع الحكومة الحالية بأغلبية واسعة مركزيا وفي الجهات، وسيطرة مكوناتها الثلاثة على أغلب المؤسسات المنتخبة وتحكمها في القرار، كل هذا لم يتح لها نجاعة الإنجاز وقوة الحضور في النقاش السياسي والتنموي الوطني، ولم يجعلها فاعلة وناجحة في تدبير عدد من القطاعات أو إعمال الحلول والمخارج لمعظم المشكلات التي برزت في عهدها، ومن ثم نحن اليوم أمام انعدام الرؤية والأفق لدى تحالف الأغلبية، وأمام حكومة عاجزة ومنسحبة من كل الملفات المطلوب اليوم حلها.
كل هذه الملاحظات، تفرض اليوم على المؤسسة التشريعية تمتين دورها السياسي العام، فضلا عن التشريعي والرقابي والديبلوماسي، والبروز كحاضن رئيسي للحوار السياسي الوطني، واستثمار مناسبات دراسة مشروع الميزانية والنصوص القانونية المعروضة لإعمال تفكير استشرافي شجاع من أجل مصلحة البلاد.
وفي الإطار ذاته، يبقى البرلمان مدعوا أيضا لتقوية حرصه التخليقي في ممارسته الداخلية وبنيانه الهيكلي، وحماية صورته العامة لدى الناس.
السنة التشريعية الجديدة تعتبر العام الذي يسبق نهاية ولاية الأغلبية الحالية، وتبعا لذلك سيكون من العمى التعامل مع هذه الزمنية باعتبارها فرصة لحملة انتخابية سابقة لأوانها، أو مثلا إعداد ميزانية 2025 ودراستها وتنفيذها ضمن منطق استحضار ميزانية 2026 كذلك، وجعل كل ذلك من ضمن أدوات الإعداد لنهاية الولاية والتحضير للحملة الانتخابية القادمة.
ولكل ما سبق، يتطلع المغاربة والمتابعون للشأن السياسي الوطني إلى الخطاب الملكي في افتتاح دورة أكتوبر البرلمانية، ويأملون أن تكون التوجيهات السامية المتضمنة فيه تنبيها للحكومة قصد إعمال دينامية تنموية وتدبيرية متجددة، والحرص على وضع القطيعة اللازمة مع الفشل الواضح اليوم، وبالتالي إنجاز الإصلاحات المنتظرة وتطوير البرامج الحكومية والسياسات العمومية في كل المجالات التي تعاني اليوم من الاحتقان، والتي تمثل عناوين القلق الشعبي العام.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Top