الإذاعات الخاصة

شهدت الأيام الأخيرة إصدار عقوبات من طرف «الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري» في حق إذاعات خاصة، مست آخرها «هيت راديو» وكانت الأقسى، وأثار  الموضوع برمته نقاشا إعلاميا في الساحة، أعاد ملف الإذاعات الخاصة للواجهة. بداية لا بد من التأكيد على أن تجربة تحرير القطاع السمعي البصري ورفع احتكار الدولة، لا زالت فتية في بلادنا، ومثلت أحد العناوين البارزة للتحول الديمقراطي المغربي، ولذلك فالاختيار يمتلك رهانا استراتيجيا.
من جهة ثانية، لقد مكنت هذه الإذاعات من توفير فرص جديدة للتعبير، وتجسيد إعلام القرب على أرض الواقع، وهذا التحول لا تخفى أهميته الثقافية في إشعاع قيم التحديث والوعي وسط المجتمع.
البناء الديمقراطي والحداثي يحتاج أيضا إلى إعلام جديد وقريب من الناس ومتفاعل مع اهتماماتهم…
ومقابل ما سلف، لا بد من الوقوف عند سلبيات البداية بالنسبة لعدد من الإذاعات الخاصة، خصوصا على مستوى مهنيتها ومدى احترامها لأخلاقيات المهنة  كما هو متعارف عليه كونيا في ميدان الإعلام.
عدد من هذه الإذاعات، وليس كلها، تعمد إلى تشغيل شباب لا علاقة لهم بهذه المهنة، ويعملون في ظروف مخالفة للقانون، وهذا أيضا يستحق المراقبة والزجر.
عدد من هذه الإذاعات تستغني عن أي تأطير مهني أو ثقافي للعاملين لديها، بل إنها لا تهتم حتى بمعايير جودة اللغة الإذاعية التي تروج  بها منتوجها.
إن إعلام القرب لا يعني قول أي شيء وبأية طريقة عبر الأثير، ومن دون أي مراعاة لقواعد المهنة وآدابها التي توجد بشأنها  الكثير من الكتب والمدونات…
اعتماد المباشر في البث، وهذا يعرفه المهنيون، من أصعب الأشياء في السمعي البصري، ويتطلب كفاءة مهنية كبيرة وحضورا دائما للبديهة، وكاريزما تمكن من التفاعل الحيوي مع مسار البث ومع ما يقال…
وعندما تراهن إذاعاتنا الخاصة على القرب وعلى المباشر والتفاعل مع الجمهور، يجب أن تعي خطورة الرهان، وتستعد له بتوظيف كفاءات مهنية وتوفير ظروف مناسبة لهم للعمل، وخلق ميكانيزمات مهنية وتدبيرية ترافق كامل مدة البث.
التجربة في المجمل راكمت مكاسب، لكنها أيضا كشفت عن تجليات قصور مهنية وأخلاقية، وهذا يستدعي وقفة للتأمل المهني وتصحيح الاتجاه، وهي مسؤولية يتحملها بشكل كبير أرباب هذه الإذاعات بجعل مؤسساتهم مقاولات مهنية عصرية فعلا، تقوم على المهنيين وعلى متانة الاستثمار في الموارد البشرية وفي الإنتاج وفي التكوين وفي التقنيات.
وبالرغم من كون الهاكا تمارس «رقابة بعدية»، وهذا من حسنات التجربة على كل حال، فإن الميكانيزم بكامله يستدعي كذلك تفكيرا بغاية التطوير، ولتكريس نوع من المواكبة تروم مساعدة هذه الإذاعات على النمو وعلى الانتشار وعلى تصحيح الاختلالات.

Top