الباك

تجري بعد أيام قليلة امتحانات الباكالوريا برسم دورة يونيو 2013، وسيجتازها هذه السنة 484.778 مرشحا ومرشحة في مختلف الشعب. ويعيش التلاميذ وأسرهم هذه الأيام في أجواء من الاستنفار والتعبئة بغاية معانقة النجاح في هذه المحطة الرئيسية من المسار التعليمي لتلاميذنا وتلميذاتنا. بلا شك لازال امتحان «الباك» يجسد، لدى معظم الأسر المعنى الفعلي لدلالة القول الشهير: «عند الامتحان يعز المرء أو يهان»، ولذلك تحدث التعبئة الكاملة من أجل تحقيق النجاح، وبالتالي تفادي… الإهانة.
لكن، مع ذلك، فمناسبة الامتحانات هذه، تتيح فرصة العودة إلى إثارة موضوع المستوى العام للتلاميذ، حتى بعد حصولهم على الشهادة، ذلك أن الجميع يقر اليوم بضعف المستوى، لا على صعيد المواد التعليمية، ولا على صعيد امتلاك اللغات، بما في ذلك اللغة العربية، ولا أيضا على صعيد المستوى الثقافي العام، وهذا الوضع العام يفرض استعجالية الانكباب عليه بخطط وبرامج وقرارات جريئة وناجعة، وذلك حماية لسمعة التعليم المغربي بصفة عامة، وصونا لمصداقية الشهادات التي تمنحها منظومته في مختلف مستوياتها.
من جهة ثانية، يفرض السياق كذلك الانتباه إلى معضلات التوجيه المدرسي، ذلك أن غلبة  تخصصات بعينها تجعلنا في نهاية المطاف أمام اختلالات وتجليات نقص كبيرة في عدد من التخصصات التقنية والعلمية، ما يزيد من توسيع دوائر البعد بين طبيعة تخصصات الخريجين حملة الشهادات ومستوياتهم التعليمية والمعرفية، وبين متطلبات سوق العمل، ولذلك، فإن المعالجة تبدأ من التوجيه في المستويات الدنيا، وذلك حتى لا تجد البلاد  نفسها مصطدمة بواقع يطفح بالتعقيدات والمشكلات المركبة.
ومن المؤكد، أن التعليم يرتبط، وجوبا، بأفق تطور المجتمع، ويؤثر في ديناميات التحول الاجتماعي والسياسي، ولذلك يجدر تمتين ثقافة العقل والانفتاح عبر كل تفاصيل منظومتنا التعليمية، وتربية التلاميذ والطلبة على المنطق، وعلى التحليل والنقد، وبقدر ما يسائل هذا الأمر واقع التوجيه المدرسي عندنا، فهو أساسا يسائل مقرراتنا الدراسية ومضامينها، وطبيعة المناهج المعمول بها، وأداء كثير من مدرسينا، وحاجتنا المستمرة إلى تعزيز حضور مادة الفلسفة مثلا، وتقوية التربية على حقوق الإنسان والمواطنة والديمقراطية والمساواة.
هي إذن إشكاليات حقيقية، بمثابة هواجس تشغل الأسر وكل الغيورين على مستقبل هذه البلاد وشعبها وشبابها، وقد سمحت مناسبة امتحانات الباكالوريا بالتطرق إليها هنا، وبالتالي، تجديد التنبيه إلى خطورتها، وأيضا ضرورة الابتعاد عن الحلول الجزئية  بشأنها.
وفي انتظار إصلاح حقيقي وجذري للمنظومة التعليمية الوطنية، وهو ما كان  جلالة الملك قد وضعه في إحدى خطبه في نفس مرتبة وحدتنا الترابية، فإن إنجاح أيام امتحانات نهاية التعليم الثانوي يقتضي الحرص الكبير على محاربة الغش، وعدم التردد في تطبيق المقتضيات القانونية ذات الصلة، وذلك من أجل حماية مصداقية الشهادة الوطنية داخل البلاد وخارجها، بالنسبة لمن سيتمكنون لاحقا من متابعة تعليمهم الجامعي في بلدان أجنبية.

Top