التقدم والاشتراكية يفتتح صالونه الثقافي بعرض فيلمين قصيرين لـ «فريد الركراكي»

افتتح حزب التقدم والاشتراكية فرع أكدال – الرياض، يوم الجمعة الماضي، بالرباط، صالونه الثقافي بعرض ومناقشة الفيلمين القصيرين «من أجل حبي أبي» و»مناديل بيضاء» لمخرجهما فريد الركراكي.
العرض الأول «من أجل حبي أبي» نجح في كسب تعاطف وإعجاب العديد من الحاضرين في الأمسية الثقافية التي نظمها فرع الحزب أكدال بالمقر الوطني للحزب بالرباط، لا سيما التعاطف الذي أبداه الحاضرين مع الطفل محمد أمين التاج بـطل الفيلم.
الفيلم يحاكي، في أقل من 15 دقيقة، قصة طفـل من ذوي الاحتياجات الخاصة، يبحث عن لقمة العيش بشتى الطرق، من أجل إسعاد والده المريض، الذي سيخطفه الموت، ليجد نفسه بعد ذلك أمام واقع معيشي صعب انتهى بـاحتضانه من لدن جمعية خيـرية قـررت التكفل به رفقة أطفال آخرين يوجدون في نفس الوضعية.
الفيلم الثاني «مناديل بيضاء» بدوره ترك أثرا واضحا على محيا المشاهدين، فالفيلم يميط اللثام عن مجموعة من الظواهر الاجتماعية كتشغيل الأطفال والدعارة والاغتصاب والتشرد، كل ذلك في علاقته بالظروف الاجتماعية المزرية التي تعيشها أسرة مكونة من أم وابن معاق وفتاة لا زالت في سن صغيرة، بالإضافة إلى شخصية المتشرد التي لعبت دورا رئيسيا في الفيلم.
أحداث الفيلم السينمائي القصير، التي أداها ممثلون معروفون في الساحة الفنية المغربية أمثال سارة الركراكي وحسنة الطمطاوي وسعيد آيت باجا وعبد الكبير الشداتي وأمين ناصر، تدور في 17 دقيقة، حول طفلة صغيرة تعيش رفقة والدتها وشقيقها المعاق في ظل غياب المعيل، بحيث تتابع بشكل متعثر دراستها الابتدائية في ظل اشتغالها بائعة للمناديل البيضاء لسائقي السيارات في أحد الشوارع الرئيسية لمدينة سلا، الشيء الذي يجعلها محط رصد وتتبع من قبل «بيدوفيل»، الذي يختطفها في آخر مشهد في الفيلم.
ومن خلال الأحداث يحاول المخرج إظهار حياة هذه الطفلة الصغيرة بعيدا عن «المهنة» التي تمارسها خارج أوقات الدراسة والتي تجعل مستواها الدراسي ضعيفا بالمقارنة مع باقي التلاميذ في الدراسة، كما يميط اللثام عن ظاهرة الدعارة، بحيث تدفع الأم ابنتها لبيع المناديل لإبعادها عن المنزل ليخلو لها الفضاء لممارسة الدعارة، لتوفير مصاريف العلاج لابنها المعاق.
مخرج الفيلمين فريد الركراكي، تفاعل مع الحاضرين عقب انتهاء العرضين السينمائيين، وكشف عن كواليس تصوير الفيلم الأول، وعن لقاءه بالطفل البطل محمد أمين التاج الذي لعب دور البطولة، وكيفية إقناعه بالتمثيل، بحيث توقف عن المهارات التي يتوفر عليها هذا الطفل في التمثيل بحيث لم تستغرق مدة التصوير سوى 48 ساعة، مشيدا بهذه المهارات يتمتع بها محمد أمين التاج، والتي تؤكد أن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، يتمتعون بمواهب عديدة. كما دعا الركراكي في هذا السياق، إلى ضـرورة الاعتناء بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة للمساهمة في إدماجهم في المجتمع، وتحدي الإعاقة من أجل إبراز القدرات الإبداعية لهؤلاء.
 وعن فيلم «مناديل بيضاء»، قال مخرجه السينمائي إنه يحكي عن مواضيع وظواهر اجتماعية أصبحت متفشية داخل المجتمع ومنها ظاهرة تشغيل الأطفال الصغار من خلال احترافهم مهنة بيع المناديل البيضاء لسائقي السيارات بالشوارع.
وأضاف أن الفيلم، الذي يسعى إلى التحسيس بخطورة الظواهر الاجتماعية السلبية، هو محاولة، في مدة زمنية قصيرة، لتسليط الضوء على ظواهر اجتماعية خطيرة منها الاغتصاب والتشرد والهدر المدرسي والإعاقة وتشغيل الأطفال، ورسائل مشفرة من شأنها إيجاد أجوبة لتجاوز ومحاربة مثل هذه الظواهر بالمجتمع المغربي.
في سياق متصل، قدم الكاتب المسرحي والصحفي الحسين الشعبي، خلال جلسة المناقشة، التي أدارها سعيد أقداد عضو اللجنة المركزية، أربعة جوانب للعرضين السينمائيين، أولها، الانتصار للمعنى، حيث أكد الحسين الشعبي أن الفلسفة الجمالية للمخرج فريد الركراكي أعطت للعملين جانبا موحدا وهو جانب «المعنى»، إذ أن لكل فيلم رسالة ومعنى يراد منه أن تصل للجمهور، أي أنه حامل لرسالة معينة، وهذا هو المطلوب في الأعمال دونما اللجوء لأسلوب الابتذال، يقول الشعبي، مضيفا أن الابتذال يفقد للعمل معناه، ويعمل فقط على دغدغة المشاعر دون تقديم أي رسالة.
الأداء الفني والتمثيل كان الجانب الثاني الذي تطرق له الشعبي، بحيث سجل الفرق في الأداء بين الفيلم الأول والثاني، وإن كانا معا قد تميزا باحترافية في التمثيل، إلا أن الفيلم الثاني تميز بمشاركة العديد من الفنانين المحترفين، حسنة الطمطاوي وسعيد آيت باجا والآخرين، ما يساعد المخرج على إدارة الممثل وإعطاء الجودة الفنية والقيمة للفيلم، يشير الشعبي.
وتوقف المتحدث عند الدور الذي تقمصته حسنة الطمطاوي والنخوة في أداءها، من خلال لعبها كامرأة شعبية، تمتهن الدعارة، مشيرا إلى أنها قدمت صورة إيجابية عن المرأة عكس ما قد يعتقده البعض خصوصا وأنها قدمت «موقفا سياسيا» لا يبخس من مكانة المرأة بقدر ما يرفع منها، كذلك الدور الذي لعبه سعيد آيت باجا، بحيث أتقن دور «المتشرد»، كل هذا يقول الشعبي جعل المخرج يدير عمله بطريقة فنية وجمالية.
الشعبي وفي حديثه عن التمثيل والأداء عاد للفيلم الأول، واعتبر أن اختيار طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة لأداء البطولة في الفيلم، يحمل في طياته العديد من الرسائل، والتي أهمها أن هذه الفئة قادرة على الإبداع وإعطاء مجهودات في كافة المجالات بما فيها المسرح، رغم الإعاقة، خصوصا، وأن الطفل أبدى حرفية في التمثيل وقدم أداءً جيدا.     
الجانب الثالث لخصه الشعبي في الصفة المسرحية للممثلين، والتي تعطي للممثل حرفية كبيرة وتجعله دائما يطور أداءه نحو الأفضل، مشيرا إلى أن اللعب فوق خشبة المسرح بالإضافة إلى التثقيف يعطيان دفعة للمثل ويجعلانه يواكب المتغيرات ويتطور بشكل طبيعي، خصوصا الأداء المسرحي، الذي اعتبره الشعبي أساسيا لجميع الممثلين، باعتبار المسرح أبا لجميع الفنون.
أما الجانب الرابع والأخير، فخصه الكاتب المسرحي للصورة، معتبرا أنها أقوى من الكلمة، خصوصا في الأفلام ذات المعنى، بحيث قدم قراءات للصور التي تم عرضها في الفيلمين.
وتوقف الشعبي عند قوة الصورة في الفيلمين القصيرين معا، بحيث أبرز تفوقها على الكلمة و»الثرثرة»، كما وصفها الشعبي، مؤكدا على أن الصورة دائما ما تعطي رسائل أدق وتختصر المعنى، وتسهل على المتلقي «قراءتها».
بدوره توقف الفنان والمسرحي محسن زروال عند أبعاد الفيلمين معا، بحيث توقف عند الفيلم الأول «من أجل حبي أبي»، والذي يسوق لمفهوم «المرض» والصراع لمنع وصول «الموت»، كذلك الأمر مع الفيلم الثاني «مناديل بيضاء»، والذي بدوره ينطوي على صراع مع المرض، بحيث أن الأسرة تقطن في حي شعبي على هامش المدينة، وتمتهن الأم الدعارة من أجل تحصيل مصاريف لعلاج لابنها المعاق. إلا أن الحالة الثانية يشير محسن زروال تتميز بوجود فتاة صغيرة لا زالت تتابع دراستها، بحيث تحاول أمها إبعادها عن المنزل، وتحثها على بيع المناديل البيضاء، والتي بدورها تحمل دلالات عديدة، منها كون الأم تريد إبعاد ابنتها عن فضاءها، بحيث تتجنب المرأة أن ينتقل عملها لابنتها، وهو ما يجعلها تدفعها خارج البيت.
زروال توقف عند دلالات بيع «المناديل البيضاء»، متسائلا هل بيع هذه المواد كاف لتحصيل ثمن علاج الأخ المعاق بالنسبة للطفلة «سارة»، قبل أن يقدم إجابة بكون أن هذه المناديل ما هي إلا إشارة للنقاء، تعمدها المخرج لكي يعطي تصورا عن براءة الطفلة سارة.
كذلك قدم زروال قرارات في مشاهد عديدة من الفيلم الثاني، خصوصا علاقة الطفلة «سارة» بمحيطها الأسري من جهة، والمدرسة من جهة، والشارع الرئيسي حيث تبيع المناديل، معتبرا أن هناك فروقا عديدة في تعامل بطلة الفيلم الصغيرة مع الشخوص، بدءا من تعامل أمها ثم تعامل معلمها بالمدرسة، إلى حدود تعامل المشرد الذي تقتسم معه رغيفها، كما أنه الوحيد الذي يقدم لها المساعدة وتشعر في حضوره بالحماية، هنا يقدم زروال قراءة في علاقة الأطفال بأسرهم والشعور بالأمن لديهم الذي لا يتحقق إلا بوجود «رجل» إلى حد كبير.
الممثل المسرحي، توقف أيضا، عند الأخطار التي تواجه الأطفال الصغار في الشارع، كحالة الصغيرة «سارة» التي تتعرض لآخر مشهد للخطف من طرف «بيدوفيل» بطريقة سهلة، بحيث ترصدها في وقت سابق واشترى منها علب المناديل قبل أن يطلب منها الصعود للسارة قصد إيصالها للمنزل ليظل مصيرها مجهولا بعد نهاية الفيلم، وهنا يقارب زروال، الفروق بين تعامل الفتاة مع «الأبواب»، بحيث أن باب المنزل كان دائما موصدا في وجهها منذ مغادرتها المنزل في الساعة السابعة والنصف مساء إلى حدود وقت متأخر من الليل، وكذلك باب المدرسة الذي تدخله متخفية من الحارس، وباب القسم، الذي تخشى فيه معلمها، ثم الباب الأخير الذي فتح في وجهها، وهو باب السيارة، والذي بحسب زروال يمثل «المآل» الذي تؤول إليه أوضاع الفتاة «سارة» التي تجهل نهايتها.
هذا، ومن جهة أخرى، أكد سعيد أقداد عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، أن عرض الفيلمين القصيرين للمخرج فريد الركراكي، يدخل في إطار سلسلة الصالون الثقافي الذي ينظمه فرع الحزب بأكدال – الرياض، مؤكدا على أنه سيتم تنظيم حلقات دورية تهمتهم بكل ما هو فني وثقافي.
وأكد أقداد أن هناك محطات قادمة من الصالون الثقافي للشعر والسيناريو وتوقيع الكتب وغيرها من الأنشطة الثقافية، مشيرا إلى أن الهدف من هذه المبادرة هو الترويج للقيم الثقافية، وتفعيل رؤية حزب التقدم والاشتراكية للثقافة باعتبارها من المجالات الأساسية والحيوية التي يتبناها الحزب ويدافع عنها.     
يشار إلى أنه تم خلال هذا اللقاء الثقافي، الذي تميز بحضور فئة من الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جانب فنانين وفنانات ومناضلي ومناضلات حزب التقدم والاشتراكية، تسليم ذرع الحزب للمخرج السينمائي فريد الركراكي، سلمتها له سمية حجي عضوة اللجنة المركزية. وقد عاد الركراكي، في كلمة مقتضبة، أشاد فيها بالدور الثقافي الذي يلعبه حزب التقدم والاشتراكية، ومنوها في ذات السياق بهذه المبادرة التي تعطي إضافة نوعية للثقافة ببلادنا.

محمد توفيق امزيان

Related posts

Top