السياسة ليست سبا أو شتائم…

عدد من السياسيين والمسؤولين الحزبيين، لمًا نتابع تصريحاتهم وما ينشرونه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نقف على حجم هائل من السب والشتم في كلامهم ضد سياسيين آخرين، وأحيانا يجري ذلك بتعابير خارجة عن المعتاد في الخطب السياسية، وتكون مليئة بالقذف والتجريح.
ما ينتشر حوالينا وأمامنا على هذا المستوى لا صلة له حتى بشعر الهجاء الذي عرف عند العرب القدامى، ومارسه ببلاغة كبار الشعراء، ولكنه، ببساطة، قذف وسب، وأحيانا يستحق المتابعة القانونية والقضائية، علاوة على أنه يهوي بعملنا السياسي والحزبي إلى أسفل سافلين.
نفهم ما تتسبب فيه اليوم مواقع التواصل الاجتماعي، وكثافة الإقبال عليها وسهولة ذلك، ومن ثم نفهم أيضا سعي بعض صغار المدونين وبسطاء الناس لمحاولة كسب المال والشهرة بواسطة التدوينات والفيديوهات واللايفات وغير ذلك، لكن الباعث على القلق أن بعض السياسيين باتوا اليوم يسيرون هم بدورهم على ذات الطريق، أي أنهم يكثفون الشتم والسب في حق المختلفين معهم من أجل البروز والشهرة وتحقيق التميز.
بعض هؤلاء السياسيين صاروا مؤمنين بأنهم غير ملزمين بأي نشاط حزبي ميداني أو تأطير الناس وتكوينهم، وهم، بالتالي، في غير حاجة إلى مقرات أو تفكير أو برامج، ولكن فقط لهاتف وأنترنيت، ثم الشروع في سب الخصوم بواسطة ذلك، واستعمال الكلمات البذيئة والنابية، وهذا يكفي، في نظرهم، ليصيروا معروفين، وزعماء، وشجعان صناديد.
كيف يمكن إذن توسيع قاعدة المنخرطين في الأحزاب وتقوية التأطير السياسي للمواطنات والمواطنين وتنمية الوعي المواطن لدى المغاربة، وبعض سياسيينا يعرضون يوميا فرجة بذيئة بالمجان تطفح بالسباب، ولا تلتزم بالحد الأدنى من العفة والاحترام؟
وفي نفس الوقت، كيف يمكننا تخليق مشهدنا الحزبي وحياتنا السياسية والمؤسساتية عندما تنتشر مبارزات التجريح والشتم بين السياسيين؟
عندما نتابع بعض ما يقترفه هذا الصنف من السياسيين هذه الأيام، نتساءل كيف لهؤلاء أن يستطيعوا مستقبلا الجلوس أمام بعضهم البعض وتدارس قضايا البلاد، وكيف سيكون بالإمكان غدا إبرام تحالفات حزبية أو توافقات على قواسم مشتركة؟
لم نعد منذ مدة نسمع عن أي مبادرات حوار أو تشاور بين قوى سياسية، ولكن، بدل ذلك، نسمع ونشاهد كثيرا من السب والتجريح بين الفاعلين السياسيين عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي…
إن استخدام السب والشتم صار فعلا تواصليا قائما بذاته لدى بعض الفاعلين السياسيين، وهم ينطلقون في ذلك من الإيمان بقدرة هذا الأسلوب على تشويه صورة الطرف الخصم وإلغائه من الحياة السياسية، وهذه الظاهرة تستحق أن يدرسها علماء النفس والاجتماع، وأيضا المخططون الإستراتيجيون لمستقبل بلادنا، وذلك لكون ممارسة الشتيمة بات يقترب ليكون هو المرادف لممارسة السياسة وتحقيق التموقع الانتخابي والحزبي المطلوب.
ليس معنى هذا أن (ولاد عبد الواحد كلهم واحد)، ولكن هناك سياسيون لا ينخرطون في هذه الجذبة المجنونة، ولذلك لا تسلط عليهم الأضواء كثيرا ولا توضع أمامهم الميكروفونات كل يوم.
يمكن ممارسة الانتقاد، وحتى مهاجمة الخصوم السياسيين بقوة، ولكن عبر استثمار معجم سياسي مسؤول وجدي، ومن خلال الاجتهاد والتفكير وصياغة الحجج، وتقديم البدائل والأطروحات المضادة، أي من دون سب الأشخاص والتجريح فيهم، وارتكاب سلوكات هي، قبل كل شيء، تستحق المتابعة القانونية.
الكثيرون يعتبرون أن طيش بعض السياسيين الشتامين لا يجدر بنا الوقوف عنده كثيرا أو إيلاؤه الاهتمام الكبير، ومن ثم يعتبر إهماله هو الجواب عن بذاءته وسقطته، ولكن، مع ذلك، الظاهرة تستحق الانتباه لكونها تحمل مخاطر متعددة على مجتمعنا وعلى حياتنا السياسية وعلى السلوك الانتخابي والمدني لشعبنا وشبابنا.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top