يمكن الحديث عن بعض الأفلام المغربية الجديدة، باعتبارها تجارب بصرية مختلفة، تحمل بصمات درامية وجمالية مغايرة للأنماط التي دأبت السينما المغربية الخوض فيها، بعد أن راكمت الكثير من الإنجازات التي صفق لها الجمهور في مختلف المهرجانات، وإنجازات أخرى لم يتجاوز طموحها تحقيق المداخيل على مستوى شباك التذاكر، وفي الحالتين معا لم تستطع السينما في المغرب لحد الآن أن تقدم نفسها خارج إطار التجريب، الذي يتراكم ليعطينا فيما بعد هوية سينمائية مغربية صرفة بجماليات ومواصفات عالمية من خلال أفلام تتكلم بلغات متنوعة، وتستمد وجودها من ثقافتنا وكل الفسيفساء التي تميزها ومن واقعنا الذي يعيش على إيقاع التغيرات المتسارعة، أحيانا أخرى.
يقول دومنيك دوغينز وهو أحد الباحثين في الحقل السينمائي ما معناه أن السينما التجريبية هي أصل هذا الإبداع وروحه، أما باقي الأنواع السينمائية فهي مجرد تصنيفات.
وكما تبتعد السينما التجريبية عن السينما التجارية السائدة، فإنها تقترب بالقدر ذاته من مفهوم السينما الطليعية، باعتباره مرادفا للتجريب، رغم أن هذه المحاولات تأتي بجهود فردية في الغالب دون أن تلقى الدعم اللازم وبعض هذه التجارب لا يدوم طويلا إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أن هذه التجارب، التي تقودنا إلى شيء جديد لم نعتد عليه، تعدنا بتقديم المختلف والحقيقي في السينما التجريبية. وقد تكون هذه المساهمة هي بارقة الأمل في تطوير فن السينما.
ولا شك في أن الطبيعة المركبة للسينما، بكونها كتابة وإخراجا ومكونات تقنية ومهارات احترافية في مجال التصوير والصوت والمونتاج والملابس.. يجعل منها الفن الأكثر تعقيدا في ما نسميه عادة بالعملية الإبداعية.
وفي المغرب أصبح بإمكاننا اليوم التحدث عن ظاهرة سينمائية جديدة، فهناك بعض الأفلام التجريبية وبعض المحاولات الفردية هنا وهناك كتجربة المخرج هشام العسري، فوزي بنسعيدي، نور الدين لخماري، إدريس المريني أو محمد الشريف الطريبق، وغيرهم، يشتغلون بأسلوب فني في صناعة الأفلام يدمج بين الفنون البصرية والسينما التقليدية، وذلك بهدف استكشاف وتجاوز الأشكال غير السردية وبدائل الرواية التقليدية أو أساليب التعاطي العتيقة، وإن كانت السينما المغربية في تطورها خلال السنوات الأخيرة تبقى مدينة للدعم العمومي، إذ التزمت السلطات الحكومية بتطوير هذا القطاع، وذلك بغية دعم وتعزيز الخصوصيات الثقافية والاجتماعية لبلادنا.
وهي مجهودات كبيرة، أعطت نتائج ملموسة ايجابية ومشجعة في أغلب الحالات، وهنا لن نتحدث عن الأفلام المدعومة والتي لا تعكس فنيا المبالغ الكبيرة التي حصلت عليها.
>بقلم سعيد الحبشي