وجدت أمس في الكلمتين اللتين أخرجهما نبيل بنعبدالله في حواره مع الزميلة «أخبار اليوم المغربية»، وهما: «الطريز» و»الغرزة»، الوصف الحقيقي ليس فقط لمسؤولية اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور، وإنما لدور كل الهيئات المطالبة اليوم بالانتقال من لغة الشعارات إلى القاموس الدقيق لإعداد الأفكار، أي المساهمة في بلورة دستور للبلاد وليس ملفا مطلبيا. اليوم عندما يرتفع الكلام من أكثر من جهة حول الفصل 19 مثلا، يجب في المقابل أن نقدم الإجابات السياسية والقانونية لقضايا شائكة مثل السلطة الدينية وقيادة الجيش وغيرهما، وأن نضع في البال سياقنا التاريخي والسياسي والديني والمجتمعي، لأن العقل، في المحطات التاريخية الحاسمة، يفتح التفكير والأبصارعلى … السياق.
واليوم عندما تعج كل السماوات في محيطنا وفي الشارع بالكلام عن «الملكية البرلمانية»، يجب على الكثيرين أن ينزلوا من علياء الهتافات إلى وضوح الفكرة وما بعدها، أي إلى إيجاد «الغرزة» المناسبة للصياغة، وهنا أيضا لن يكون السياق بعيدا عن «الطريز» الفقهي والسياسي المحمول على رؤية إستراتيجية مجتهدة.
ربما ساعدتنا الدينامية الجارية في البلاد هذه الأيام على التعرف على أصوات عديدة، وعلى كثير حناجر، لكن عندما تحين ساعة «الطريز» ستصمد فقط المنظومات المطلبية المنطلقة من العقل، والقائمة على الجدية، وعلى بعد النظر.
وحتى عندما بدأت في اليومين الماضيين تتسرب بعض الأفكار والمقترحات من داخل الاجتماعات الحزبية، وجدنا كثير تقارب بين أفكار الأحزاب الجدية، ولم نعثر على كثير أشياء من خارج نقاشاتنا العمومية للسنوات الأخيرة، وهنا من جديد نعتقد أن المهم اليوم يوجد في «الطريز» حتى تتوفر لبلادنا وثيقة دستورية في مستوى رهانات وتطلعات مغرب الألفية الثالثة، وفي هذا الإطار تقع المسؤولية على القيادات السياسية الموكول لها المتابعة وإبداء الرأي، وأيضا على أعضاء اللجنة الموكول لهم استحضار التوجيه الملكي بالاجتهاد، والابتعاد عن التردد وعن كل انجرار إلى الخلف.
ليس من حق المغرب أن يكون متخلفا عن الديناميات المنبعثة في عديد بلدان عربية ومغاربية، وليس من حقه أن يتراجع عن ريادته الديمقراطية والسياسية في المنطقة، ولدينا اليوم جميعا فرصة تاريخية لنجعل من دستور ديمقراطي متقدم عنوانا ومدخلا للتحول، ولإصلاحات أخرى ذات طبيعة شمولية ومجتمعية، ولذلك سيكون من باب التعدي على الوطن تضييع الفرصة.
وإن دقة الظرف التاريخي وحجم الرهان، يفرضان اليوم على الكل إعمال وضوح الرؤية، وعدم اللجوء إلى التصويب الخطأ، أو إلى الحسابات القريبة جدا من الأنوف، ويعني هذا مثلا أن الدستور الذي نريد يجب أن يكرس اختياراتنا الحداثية والديمقراطية، وليس العكس، ويعني ذلك الحاجة إلى تكتل القوى الوطنية والديمقراطية الحقيقية في جبهة موحدة لإسناد الإصلاح، وللدفاع عن … العقل.