الكاتبة المغربية مليكة صراري: أغلب المؤسسات الثقافية منشغلة بصراعات ضيقة ومنكبة على تكرار حضور أسماء بعينها في الساحة

للكاتبة المغربية مليكة صراري عدة مؤلفات في أجناس تعبيرية مختلفة، أبرزها القصة القصيرة والشعر، كما أن لها حضورا فاعلا على مستوى التنشيط الثقافي، سواء من خلال مشاركاتها في الملتقيات الأدبية أو عبر الإشراف على ورشات خاصة بالإبداع الأدبي.
في هذا الحوار الخاص ببيان اليوم، تسترجع أبرز المحطات الثقافية التي ميزت السنة التي ودعناها أخيرا، وتقوم بتقييم مستوى هذه الحركة الثقافية، كما نتوقف عند تجربتها الخاصة في مجال الممارسة الإبداعية والثقافية بوجه عام.

علينا أن نعي خطورة المحو الذي يلاحق هويتنا الثقافية

إن الثقافة هي الركيزة الأساسية التي تنبني عليها هوية المجتمع، وهي معيار تقدمه أو تخلفه، كما تتميز بكونها مجموعة من الخصائص والصفات والأنشطة الإبداعية والحرفية والعلمية والعادات والتقاليد التي تفصل مجتمعا عن آخر، وتبعد خطر النمطية المجتمعية التي سعت وتسعى إليها العولمة التي يكاد الإنسان يبدو فيها عبر القارة الكونية دون خصائص ودون جذور تطفح منها روائح القرنفل أو العطر المصنع، وليس الهدف هنا هو السعي إلى تكريس قيمة المساواة الوهمية وإنما هو استلاب الثقافات الأقل تأثيرا في العالم الكوني بفعل ضحالة منتوجها الاقتصادي وضعفها داخل السوق العالمية، مما يجعلها تفتقر إلى التحصين، ما لم تع خطورة المحو الذي يلاحقها. وما التحولات التي نعيشها اليوم إلا تعبيرا عما يخترق المجتمع بطرق مباشرة عن طريق الوجبات السريعة والأسواق الكبرى التي تسعى لخلق حاجيات جديدة لدى المستهلك تمرر عبرها ثقافة المجتمع الواحد، أو عبر ثقافة الصورة التي لا نملك العدة الكافية للتعامل معها، أو عبر وسائل الاتصال الحديثة التي محت الفواصل الجغرافية وعلقتها على مشنقة القنوات والمواقع الالكترونية، أو تنامي ظاهرة الهجرة، أو انتشار الشركات المتعددة الجنسية التي تؤسس قيما جديدة على حساب القيم الأصيلة للبلد.
أمام هذا الخطر ما هي عدتنا؟ وهل استطعنا أن نحرر ثقافتنا مما هو سلبي ونبنيها على أسس متينة؟
أم أننا سلمنا بهشاشتها وعدم قدرتها على الصمود أمام زحف التحولات التي تضرب الهوية في العمق وبالتدريج نتآكل لنصبح كائنات افتراضية، ماهو دور المجتمع؟ وما هو دور الفرد فاعلا ومبدعا ومواطنا عاديا؟ من هنا أستحضر السؤال الأول عن مساهمتي في الحياة الثقافية؟ وما هي مسؤولية المبدع التاريخية والوطنية والإبداعية؟ وهل تتوفر الشروط المساعدة على تفعيل دور المبدع في الحياة الثقافية؟
مساهماتي خلال هذه السنة تميزت بغزارة ما كتبته من نصوص في القصة القصيرة والقصيرة جدا وفي الشعر خصوصا في العالم الرقمي وكذلك في ما قمت به من قراءات شعرية وقصصية، مع تأطير ورشات إبداعية وتوقيعات داخل بعض المؤسسات التعليمية التي لازالت تحمل هم الهوية، وتسعى إلى التعريف بالإبداع المغربي، من خلال بعض أساتذتها الأجلاء أو مديريها، رغم انعدام الظروف الملائمة أحيانا والتي لا ينوب عنها سوى ابتسامات البراءة والطهر التي تلفك في الدفء والأسئلة التي تنم عن ذكاء حاد، لم يكتب له أن يتفتق، لأن الإبداع يدرج ضمن الأنشطة الموازية، وضمن العمل التطوعي، وتتفاوت فرص الاستفادة من حصصه بحسب اهتمام لجنة الأنشطة التي تشتغل في ظروف صعبة جدا، لأنها تعمل خارج الأضواء وبنكران ذات يستحق التقدير.

بعض النقاد يتحملون مسؤوليتهم في تهميش الأعمال الأدبية المغربية الجادة

أشعر بالسعادة حينما أتصفح بعض المواقع الإلكترونية أو الجرائد والورقية، فأجدها تعج بالأنشطة الثقافية ذات الإشعاع الوطني والدولي من مهرجانات تحتفل بجنس أدبي معين، ومن تكريمات لمبدعين ربما نسينا أنهم هنا ومن توقيعات، وترشيحات لجوائز أو الحصول عليها، سواء في الشعر أو القصة أو الرواية، ومن ملتقيات ومن.. ومن تمثيل للشعر المغربي داخل الوطن أو خارجه، لكن السؤال الذي يحيرني دوما: هل هناك مقاييس حقيقية لانتقاء الأعمال الجادة من غيرها؟ أم أن الجلبة بالنسبة لبعض الأعمال التي لا ترقى لمستوى الإبداع، مجرد علاقات وهدايا متبادلة ليست معنية بقيمة العمل المقترح، خصوصا حينما يتعلق الأمر بتمثيل المغرب في مهرجانات خارجه، وهذا يكرس النقص أحيانا ويخفي الوجه الحقيقي للإبداع المغربي، وربما كان لهذا المشهد تأثير سلبي على بعض المبدعين الحقيقيين الذين فضلوا الخروج من المشهد واختاروا أن يبدعوا بعيدا عن الضوضاء، أو أن يهجروا أعمالهم لتطبع وتوزع خارج المغرب، ويتحمل بعض النقاد مسؤوليتهم في تهميش الأعمال الأدبية المغربية الجادة، لأن الاشتغال عليها ليس مدرا للربح، ولا يمتلك الآليات لرد الهدية بمثلها، أضف إلى ذلك الغياب الشبه الكلي للمؤسسات الثقافية المغربية، التي يفترض فيها أن ترقى بالإبداع، وللأسف الشديد ظلت هذه المؤسسات منشغلة بصراعات ضيقة ومنكبة على تكرار أسماء معينة في المشهد الثقافي.
إذ من المخجل أن نسبة القراءة في مجتمعنا هزيلة جدا وأن معظم الإصدارات الأدبية يتحمل وزر طبعها ونشرها المبدعون والمبدعات، وتبقى مركونة في زوايا الغرف ريثما تنمحي الأمية في بلدي وترتفع نسبة القراءة ويطرق بابي قارئ من كوكب المريخ، وغير معقول أن يعيش المبدع في الغالب وحيدا ويموت وحيدا، لولا غيرة بعض الجمعيات الجادة القليلة جدا.

الأنشطة المتعلقة بالرواية والقصة والشعر والمسرح أقل حظا في الإعلام المرئي والسمعي

تختلف حظوظ الفنون الثقافية في علاقتها بالإعلام، إذ تحظى الثقافة الشفوية المرتبطة بالعادات والتقاليد والفولكلور إلى جانب الموسيقى والسينما بحظ وافر من المتابعة من طرف الإعلام المرئي والسمعي خصوصا، أما الأنشطة المتعلقة بالرواية والقصة والشعر والمسرح، فهي أقل حظا في الإعلام المرئي والسمعي إذا ما استثنينا بعض البرامج الإذاعية والتلفزية، كبرنامج مشارف الجاد الذي يسعى للتعريف بالإبداع المغربي ويسعى الإعلام المكتوب بنسب متفاوتة كل حسب تصوره الشخصي لمتابعتها، سواء عبر صفحات بعض الجرائد الوطنية أو الملاحق الثقافية أو بعض المجلات.

هذه حسب تصوري الخاص أبرز الأحداث الثقافية التي بصمت السنة المنتهية

للسينما حظ وافر بحكم المهرجان الدولي للفيلم بمراكش والذي أصبح تقليدا يحتذى به رغم تأجيله خلال هذه السنة.
كما عرفت المدينة، مهرجان مراكش للضحك، أما المهرجانات الموسيقية فهي حاضرة بقوة في المشهد الثقافي لهذه السنة، وأذكر منها مهرجان موسيقى العالم ومهرجان الأندلسيات الأطلسية، مهرجان فاس للموسيقى الروحية، ومهرجان موازين.
ومن بين الأحداث الثقافية، التقليد السنوي للمعرض الدولي للنشر والكتاب، وهو مصحوب بأنشطة عديدة، من بينها الندوات والورشات والتوقيعات رغم تكرار نفس الأسماء.
كما شهدت السنة موسم أصيلة الثقافي الدولي، وهو غني بتنوع مجالاته الأدبية والموسيقية والتشكيلية وبالقضايا التي يطرحها.
ومن بين الأحداث الهامة على الصعيد الدولي، احتضان المعرض الدولي للكتاب بباريس واختيار المغرب ضيفا شرفيا، وتوشيح ليلى السليماني ذات الأصل المغربي بالوسام الفرنسي للفنون والآداب. كما حصل مجموعة من المبدعين المغاربة على جوائز عربية ووطنية، في أعمال أدبية متنوعة: محمد برادة، إبراهيم الحجري، مصطفى النحال، محمد الحيرش، بالإضافة إلى حصول الأدباء:عبد الرحيم حزل وسليمان القرشي وعبد الرفيع الجواهري وعبد النبي ذاكر والمهدي غالي ورشيد ركيلة والمبدع معنينو، كما حصل الشاعر المغربي محمد بنطلحة على جائزة الأركانة.
وهنا أتساءل: أليست هناك امرأة مغربية استطاعت أن تقنع اللجنة المشرفة على تقييم الأعمال الإبداعية عربيا ووطنيا بقدرتها على أن تكون بين هؤلاء، وشهرزاد أنقذت بنات جنسها من إبادة السياف؟ أتساءل أيضا عن المقاييس المعتمدة للمشاركة والحضور؟ أليس من حق المؤسسات التعليمية أن يتشرف فضاؤها باحتضان مهرجانات وطنية؟ إذ من المخجل ألا يعرف التلاميذ أسماء المبدعين المغاربة، وحتى المشهورين منهم في الأوساط الثقافية.

اعداد: عبدالعالي بركات

Related posts

Top