أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن تفاصيل خطة ما يعرف بـ “صفقة القرن”، وجاءت بنودها وكل ترتيبات إخراجها على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية الثابتة والمشروعة.
لقد مثل الإعلان عن خطة ترامب ونتنياهو صورة جديدة من السياسة الأمريكية الإمبريالية الحالية، وتجليا آخر لعبثية المنطق الترامبي الذي حول الاحتلال الإسرائيلي إلى ضحية، وجرد الفلسطينيين من الحد الأدنى لحقوقهم.
اليوم يريد ترامب، من خلال هذه المؤامرة الجديدة، أن تكون فلسطين مجرد دولة ذات حدود مؤقتة بحكم إداري تحت الهيمنة الإسرائيلية الكاملة، وعارية من كل علاقات ومقومات السيادة والاستقلال، وحتى الوصول إليها، وبالشروط الإسرائيلية والأمريكية، يتطلب مفاوضات، وتبقى لسلطات الاحتلال حرية ضم المستوطنات وغور الأردن، وبناء الوقائع الميدانية على الأرض لفائدة أطروحاتها.
الخطة الترامبية تقدم القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وتجعل الحدود الشرقية لفلسطين بيد الاحتلال، وتلغي أي عودة للاجئين، وتفرض السيطرة الإسرائيلية الكاملة على المنطقة الممتدة بين النهر والبحر، أي كل فلسطين، وتضم غور الأردن ومناطق واسعة في الضفة والمستوطنات لدولة الاحتلال، وتعتبر إسرائيل دولة قومية لليهود.
نحن إذن أمام إلغاء كامل لكل ما تراكم من توافقات وقرارات ومواقف طيلة عقود، وأمام تشطيب على كل المكتسبات، على بساطتها، التي تبلورت، ومن ثم المنطقة اليوم تجد نفسها أمام مرحلة خطيرة جديدة ترفع شعارات العنجهية والقوة وفرض الأمر الواقع، وتصر على تغيير معطيات الأرض بالقوة، ولا تريد الالتزام بأي قرارات دولية أو ثنائية.
إن كل قوى الحرية في العالم ترفض هذه العقلية الإمبريالية والهيمنية التي تقود السياسة الأمريكية اليوم، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، والتي تهدف إلى محو أي أثر لفلسطين وشعبها لفائدة تفصيل جغرافية مصطنعة لكيان عنصري هيمني متمدد على حساب المنطق والتاريخ والحقوق الفلسطينية.
وعلاوة على مضامين ما يسمى “صفقة القرن” ومخططاتها التآمرية، فإن خطاب دونالد ترامب واللغة التي عانقها تميزا بعنجهية واضحة ومقرفة، وجاءت المواقف والتصريحات مطابقة لما يقول به نتيناهو وحزبه، كما لو أن القائل واحد وطرف الصفقة أحادي، وكما لو أن الخطة بكاملها وترتيبات لقاء الإعلان عنها مجرد جلسة للسمسرة والإجبار بلا أي استحضار أو اعتبار لحقوق شعب يعاني من الاحتلال منذ عقود.
ترامب كذلك، وفي مشهد سوريالي، كان كمن يخاطب عميانا أو فاقدي الذاكرة، ولم يكن يتردد في تحويل المحتل إلى ضحية، والضحية إلى معتدي، ويطلب من الضحية الحقيقية أن تقدم الاعتذار لجلادها، وهو نفسه لا يتردد في الانتشاء بنقل عاصمة بلاده إلى القدس، ويعتبرها العاصمة الموحدة لإسرائيل.
هنا العنجهية والقرف قفزا على فلسطين واستهدفا المسلمين والمسيحيين، ولم يجد ترامب أي حرج في الانتصار لتوجه هيمني وعنصري.
إن المنطقة إذن بكاملها اليوم أمام خطر التصعيد والاشتعال، والعالم يتطلع إلى العقلاء ليأخذوا الكلمة.
القوى الوطنية الفلسطينية، من جهتها، يجب أن تكسب رهان الوحدة ونبذ الخلافات الثنائية الداخلية لتقوية الجبهة النضالية الداخلية ضد السياسة الأمريكية الإسرائيلية.
الدول العربية وكل القوى المحبة للسلام والحرية في العالم يجب أن تعزز، من جهتها، جبهة النضال والتضامن مع الشعب الفلسطيني، وأن تستثمر كل ممكنات الضغط والتحالف عبر العالم لوقف مؤامرة ترامب.
القضية الفلسطينية اليوم أمام منعطف جديد وخطير، ويجب تقوية اليقظة وتمتين الضغط والتضامن.
محتات الرقاص
Top