المؤتمر البرلماني حول الحوار بين الأديان يختتم فعالياته بالدعوة إلى بناء مجتمعات أكثر تسامحا

اعتبر استضافة المغرب للمؤتمر تكريسا للالتزام الرائد لجلالة الملك بإشاعة قيم التسامح والتعايش

دعا إلى ضرورة التمسك بسيادة القانون كشرط مسبق للحفاظ على الدولة وضمان حقوق المواطنين

 تختتم اليوم، الخميس بمراكش فعاليات المؤتمر البرلماني حول الحوار بين الأديان، بعد ثلاثة أيام من النقاش رفيع المستوى بين برلمانيين ورجال الدين وأكادميين وفاعلين مدنيين، من مختلف بقاع العالم، حول سبل تعزيز قيم التعايش، وبناء مجتمعات أكثر تسامحا، تنتفي فيها كل أشكال التمييز والتعصب الديني. 

وقد أكد المشاركون في هذا المؤتمر على أن الهدف المشترك ين البرلمانيين والقادة الدينين، رغم اختلاف الاختصاصات، هو بناء مجتمعات يسودها العدل والمساواة، على اعتبار أن البرلمانات تعمل على تعزيز ودعم سيادة القانون وحقوق الإنسان والعدالة، وممثلو الأديان أو المعتقدات، هم مؤثرون في المجتمع ويمكن أن يكون لهم تأثير على كيفية مشاركة الناس في المجتمع  في ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية وكيف ينظرون إلى ولائهم للدولة. وأبرز خبراء برلمانيون ورجال دين أن الغاية الكبيرة من إطلاق حوار بين البرلمانات وممثلي الأديان أو المعتقدات، هي الرغبة الجماعية في بناء مجتمعات أكثر عدلا وسلاما، وأيضا من أجل التصدي بشكل مشترك لمختلف التحديات التي تواجهها الإنسانية جمعاء.

وتناول المؤتمرون من خلال مساري النقاش رفيع المستوى مجموعة من المواضيع الحيوية ذات الصلة، من قبيل دور الحوار بين الأديان في ضمان سيادة القانون وتعزيز السلام، والممارسات الجيدة القائمة التي تعمل بها البرلمانات مع ممثلي الأديان أو المعتقدات أو المجتمع المدني من أجل بناء مجتمعات أكثر سلاما وعدلا، بالإضافة إلى التحديات المشتركة للسلام أو الإدماج أو سيادة القانون التي تواجه البرلمانات وممثلو الأديان والمعتقدات على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو الدولي.

وخلال المناقشة، أكد المتحدثون على ضرورة التمسك بسيادة القانون كشرط مسبق للحفاظ على الدولة وضمان حقوق المواطنين بما في ذلك الحق في حرية ممارسة الفكر أو الوعي أو الدين أو المعتقد، فالدولة، بحسبهم قادرة على تقييد حرية التعبير عن حرية الدين أو المعتقد، لأسباب وصفوها بـ”المشروعة”، كأن تتنافس بعض أشكال التعبير مع حقوق أخرى.

وبما أن البرلمانات هي وصية على سيادة القانون وحقوق الإنسان والعدالة في المجتمعات من خلال وظائفها الرئيسية المتمثلة في سن القوانين ووضع الموازنة والتمثيل و الرقابة، فإن هناك ارتباطا قويا بين السلام والعدالة والمؤسسات القوية، كما يعززه الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة، وتقف البرلمانات عند هذا الارتباط. ويمكن للجهات الفاعلة الدينية أن تكون حليفة هامة في تعزيز سيادة القانون، كقادة مجتمعيين مؤثرين يؤثرون على كيفية مشاركة الناس في المجتمع وكيف يمارسون حقوقهم المدنية والسياسية وكيف ينظرون إلى ولائهم للدولة.

وبخصوص المسار الثاني من النقاش رفيع المستوى، المخصص لمحور السلام والإدماج، فقد تم التطرق إلى سبل تعزيز السلام الإقليمي والعالمي من خلال الحوار بين الأديان، على اعتبار أن العالم اليوم، يشهد نزاعات كثيرة ذات بعد ديني تؤثر على الديناميات المحلية والإقليمية وحتى العالمية، وأن العديد من هذه النزاعات هي نزاعات داخل الدين الواحد في طبيعتها، وهو ما يعني أن الأطراف المتنازعة تأتي من  تقاليد أو عقائد أو مدراس قانونية أو فكرية من المجتمع الديني أو العقائدي نفسه.

 ويمكن أن تكون خطوط النزاع لاهوتية،  فكرية، وإثنية، وتاريخية، وسياسية، وجغرافية، واقتصادية ويمكن أن يتجلى النزاع مباشرة أو بالوكالة. ومن ثمة فقد طرحت حلقة النقاش هذه، البحث في إمكانية تعاون البرلمانيين مع الطوائف الدينية  والمنظمات القائمة على أساس ديني لحشد المجتمع من أجل مزيد من الاعتدال والتضامن، وكذا البحث في إمكانية تعزيز الثقة والاعتراف المتبادل من خلال مساهمات الجهات الفاعلة الدينية والبرلمانيين في مكافحة خطاب الكراهية والتحريض على العنف والتحديات الرقمية للديمقراطية.

في السياق ذاته، وخلال الجلسة الأولى من النقاش رفيع المستوى، والذي أدارته المقررة الخاصة المعنية بحرية الأديان أو المعتقد بالأمم المتحدة نظيلة غني، رفع الرئيس السابق لمؤسسة أديان والخبير في مجال الجيوسياسية الدينية اللبناني فادي ضو، (رفع) توصية لاتحاد البرلمان الدولي، تقضي بتسمية مدينة مراكش بـ “عاصمة حوار الأديان” مشيرا أن هذه المدينة باتت معروفة على الصعيد العالمي بهذا النوع من اللقاءات والمؤتمرات، وأصبح اسمها مرتبطا بقيم التسامح والتعايش بين الأديان.

وفي سياق متصل بموضوع الحلقة الأولى “دولة الحق والقانون” أكد فادي ضو، على أن سيادة القانون هي الأساس لاحترام الحقوق والأديان، وأن سيادة القانون هي أساس بناء مجتمعات يسودها السلم والسلام، لكن، يضيف المتحدث، وحدها لا تكفي للتعايش المشترك. وقال فادي ضو “إن مؤتمر مراكش يجمع بين دعامتين أساسيتين الداعمة السياسية والدعامة الدينية، وأن ما يجمعنا جميعا هي القيم المشتركة التي نكافح من أجل نشرها وتوطيدها في مجتمعتنا”، مشيرا إلى تراجع مستوى الثقة في رجل السياسية ورجل الدين،  وأن الناس اليوم، باتت تثق في الإعلام،  أكثر من ثقتها في الزعماء الدينيين والزعماء السياسيين.

وأضاف الرئيس السابق لمؤسسة أديان، إن التحدي الأساسي اليوم، هو استرجاع هذه الثقة، لأن الحديث عن حرية المعتقد وحرية التعبير، يحتاج إلى منسوب ثقة أكبر،  والاشتغال على القاسم المشترك بين الزعامات السياسية والدينية لصالح المجتمعات وليس من أجل السلطة أو من أجل مصالح ضيقة، وهو ما يفرض في نظره، ضرورة التحلي بقيم النزاهة ومحاربة الشعبوية.

وتحدثت، البرلمانية السابقة في برلمان بوليفيا فرناندا سان مارتن، عن تجربة الاتحاد البرلمان الدولي في مجال التكوين والتكوين المستمر والذي يساهم فيه خبراء في مجالات متنوعة لفائدة البرلمانيين من مختلف الأقطار والجنسيات،  مشيرة إلى الأهمية التي يوليها الاتحاد لمنظمات المجتمع المدني التي يعتبرها دعامة أساسية في دعم وتعزيز عمل اتحاد البرلمان الدولي، على اعتبار أن العمل المشترك مع هذه المنظمات يساهم في تعزيز الديمقراطية وبناء الثقة بين كل مكونات المجتمع.

من جهتها نوهت ميشيل باتيت وهي برلمانية ووزيرة اسبانية سابقة، بمستوى تنظيم هذا المؤتمر من قبل المملكة المغربية التي لها تجربة رائدة في مجال التعايش بين المسلمين والمسيحيين واليهود.

وبخوص موضوع الحلقة، قالت ميشيل باتيت،  “إنه لو كان الناس ملائكة  فلن نحتاج لأي تنظيم اجتماعي، يضطلع بحل النزاعات” ولكن، تضيف المتحدثة، يجب أن يكون القانون محايدا، وأنه يفترض في الدولة عند تدبيرها للشأن الديني كما حصل في اسبانيا، أن يتم ذلك على أساس الحرية والمساواة، لأن احترام التنوع هو اساس البناء الديمقراطي والعيش المشترك بين جميع المواطنين كيفما كانت معتقداتهم الدينية. 

بدوره، أكد نوربرت تاكانو الكاتب التنفيذي لبرلمانات دول الساحل، على أن الجميع برلمانيين وزعماء دينيين مطالبون باحترام سيادة القانون، وفي ذلك يكون كل المواطنين على قدم المساواة، مشيرا إلى أن أزمة منطقة الساحل هي بالأساس تكمن في تراجع دولة القانون وهو ما يحول دون تجاوز المشاكل والتحديات التي تعرفها هذه المنطقة.

وأضاف نوربرت تكانو، أن دور البرلمانات هو حماية سيادة القانون وتطويره سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي، مشيرا إلى أن اتحاد البرلمان الدولي سبق أن اقترح مقررا يقضي بحماية الأديان وعدم ازدرائها، لكن مع الأسف يقول الكاتب التنفيذي لبرلمانات دول الساحل “لم يتم اعتماد هذا المقرر، وأنه لو تم اعتماده، لتجاوزنا معظم المشاكل والتحديات التي تواجهنا اليوم، من قبيل المشاكل التي تنجم عن اضرام النار في كنسية أو حرق المصحف الكريم”.

وأوضح تكانو، أنه على مستوى منطقة الساحل توجد جماعات إرهابية تدعي أنها تريد بناء الخلافة الإسلامية، ضدا على حرية التعبير وحرية العقيدة، مشيرا إلى أن 80 في المائة من دول الساحل هم مسلمون، وبالتالي يتم استعمال الإسلام ضد المسلمين انفسهم بالتقتيل والاختطاف، وبالتالي يتعين في نظره إعادة النظر في فرض سيادة القانون، وأن التحدي الكبير في منطقة الساحل هو العمل على بلورة مبادرات مشتركة ما بين البرلمانيين والزعماء الدينيين، لأن المواطنين في هذه المنطقة لا يتحدثون عن الحق في حرية التعبير أو حرية المعتقد بل يتحدثون عن الحق في الحياة الذي أصبح مهددا باستمرار.

ومن جانبه، وقف الإمام صلاح الدين بركات سويدي من أصل لبناني من مؤسسي مؤسسة “أمانة” التي تشتغل على محاربة التطرف، وقف على  تلك الممارسات التي تعمل على إشاعة خطاب الكرهية ضد المسلمين أو ضد اليهود من قبيل احراق القران أو الترات وما ينجم عن ذلك من دود أفعال، حيث أصبح يلاحظ أن أقلية تريد إحراق كتاب أقلية أخرى، مشيرا إلى أن العمل الذي قامت به مؤسسة “أمانة” بمساعدة رجال دين مسلمين ويهود حيث تمكنت من إيقاف بعض الممارسات المتطرفة والتي كانت تقوم على رد فعل.

من جانبه أكد موشي دافيد كوهين وهو رجل دين يهودي مقيم في السويد من مؤسسي مؤسسة أمانة من النشطاء في مجال محاربة التطرف والإسلاموفوبيا على أن المغرب يشكل نموذجا يقتدى به في التعايش بين المسلمين واليهود، وأوضح أن من دواعي تأسيس مؤسسة أمانة في السويد هو بروز بعض أعمال التطرف التي طفت على السطح مؤخرا وكان في مقدمتها الإقدام على حرق القرآن أمام إحدى السفارات، مشيرا إلى الهدف الذي تتشغل عليه مؤسسة امانة هو تكريس الثقة بين اليهود والمسلمين وإدانة مثل هذه الممارسات التي تقوم على الكراهية.

 وتميزت الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر الذي ينظم تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، من طرف الاتحاد البرلماني الدولي والبرلمان وبشراكة مع منظمة أديان من أجل السلام، وبدعم من تحالف الحضارات التابع للأمم والمتحدة والرابطة المحمدية للعلماء، (تميزت)  بتلاوة نص الرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك إلى المشاركين، والتي تلاها رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، والتي أكد من خلالها جلالته على أن الحوار بين الأديان وتكريس التعايش الإيجابي في ما بينها، والتفاهم والتعاون حول أهداف إنسانية، سيكون رافعة أساسية لتجنيب البشرية شرور الفتن والأوجاع والمعاناة.

وأوضح جلالته أنه لن يتسنى بلوغ ذلك إلا إذا “ربطنا القول بالفعل، وحرصنا على تجديد مفهوم الحوار بين الأديان، وتحقيق نقلة نوعية في الوعي الجماعي بأهمية الحوار والتعايش، وبمخاطر الاستمرار في منطق الانغلاق والتعصب والانطواء”.

كما تميزت هذه الجلسة الافتتاحية للمؤتمر التي حضرها، مستشار جلالة الملك، أندري أزولاي، وعدد من الشخصيات الوطنية والدولية، بعرض شريط مصور يبرز تجدر قيم التسامح والتعايش الديني التي بصمت تاريخ المملكة المغربية، متوقفا عند محطات تعكس الدور الذي يضطلع به أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس في التقريب بين الأديان ونشر قيم الوسطية والاعتدال ونبذ التطرف ومن بينها الزيارة التاريخية التي قام بها قداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتكان، للمغرب في مارس 2019.

كما توقف الشريط عند الجهود الموصولة التي ما فتئ جلالة الملك يبذلها في المجال الديني بما يخدم السلم والتعاون والأخوة البشرية، مستحضرا الرعاية والحماية التي أحاط بها جلالة المغفور له الملك محمد الخامس معتنقي الديانة اليهودية، الفارين من اضطهاد حكومة فيشي المتحالفة مع النازية.

وفي كلمة خلال له الجلسة الافتتاحية، نوه رئيس الاتحاد البرلماني الدولي، دوارتي باتشيكو، بمضامين الرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك إلى المشاركين في المؤتمر، مشيرا إلى أن المغرب “يملك تاريخا عريقا من التعايش بين الديانات” وأن هذا المؤتمر هو حلقة في سلسلة طويلة من الأحداث والملتقيات المتميزة للحوار بين الأديان التي استضافتها المملكة.

وتوقف باتشيكو عند الأهمية التي يكتسيها الدين والمعتقدات لدى كثير من الناس “فهي تؤثر على هويتنا وقيمنا وعملية صنع القرار وكذا على كيفية مساهمة الناس في المجتمع”، موضح ا أنه “نظرا للأهمية التي تكتسيها بالنسبة لناخبينا، فإنها تهمنا أيضا كبرلمانيين”.

وعبر باتشيكيو عن أسفه لعدم الاستفادة من جائحة كورونا؛ لأن النزاعات تفاقمت، واتسعت دائرتها، وقال في هذا الصدد “إننا خرجنا من الجائحة لكن ما نشكو منه اليوم، هو أفدح لان هناك أزمة توسع الفروق بين البشر”.

وأضاف المتحدث “إن الله هو السلم وهو السلام، وهو لا يقبل التهجم على المساجد والمعابد والكنائس التي يجب ان تكون امكنة سلام” داعيا إلى ضرورة الوقوف الجماعي في وجه الارهاب والتطرف وخطاب الكراهية.

من جهتها، ثمنت اكاتا شيكولو عن منظمة أديان من أجل السلام، اختيار موضوع “العمل سويا من أجل مستقبلنا المشترك” شعارا لهذا المؤتمر، مؤكدة أنه يشكل رافعة مهمة لنسج تعاون أكبر بين البرلمانيين والقادة الدينيين في جميع أنحاء العالم وذلك بغية تعزيز الحوار والتبادل، وإبراز الحقيقة الكونية التي مفادها أنه “على الرغم من خلافاتنا، فإن القواسم المشتركة بيننا توحدنا”.

وأشارت إلى أن العالم يمر بلحظة حاسمة في تاريخه جراء تجدد الصراعات المسلحة والتوترات، مشيرة إلى أن القارة الافريقية تعد، من القارات التي “تتحمل العبء الأكبر من التداعيات الناجمة عن النزاعات وانعدام الأمن الذي يسود مجتمعنا، مما يؤثر بشكل كبير على التنمية بها”.

من جانبه، أبرز الكاتب العام للاتحاد البرلماني الدولي، مارتن تشونغونغ ، المكانة الخاصة التي تحظى بها مدينة مراكش بالنظر إلى تاريخها العريق في مجال التسامح والتعايش بين الأديان، مشيرا إلى “إعلان مراكش” بشأن حقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي الذي توج أشغال مؤتمر استضافته المدينة الحمراء سنة 2016 بمشاركة أزيد من 300 من أهل الفتوى والعلماء والسياسيين والباحثين وممثلي الأديان في العالم الإسلامي وخارجه وممثلي هيئات ومنظمات إسلامية ودولية.

وأكد أنه في عالم تعتبر فيه الغالبية المطلقة من السكان نفسها متدينة، فإنه من الضروري “العمل سويا من أجل بناء مجتمعات مندمجة ومتشبعة بقيم السلم”.

ويتطلع هذا المؤتمر الدولي، الذي من المنتظر أن يصدر عنه “إعلان مراكِش” أو “بيان مراكش” يتضمن مختلف التوصيات والخلاصات التي يتعين الاشتغال عليها من قبل البرلمانات ورجال الدين من أجل بناء مستقبل زاهر قوامه التسامح الديني والعيش المشترك.

مبعوث بيان اليوم إلى مراكش: محمد حجيوي

Top