في الظروف العصيبة لمواجهة تفشي فيروس:”كوفيد-19″، وفِي ظل لجوء عدد من دول العالم، بما في ذلك القوى الكبرى، إلى حمائية مفرطة وحرص على توفير حاجياتها الذاتية وحماية صحة شعوبها فقط، لم يتردد المغرب في تفعيل جسور جوية قدم عبرها معدات طبية ومستلزمات وقائية ومساعدات إنسانية إلى عدد من الدول الإفريقية، وسجل العالم كله دلالات ذلك، والمضمون الإنساني الكبير للخطوة المغربية.
لقد سبق لجلالة الملك أن أجرى في أبريل الماضي إتصالين هاتفيين مع كل من رئيسي السينغال والكوت ديفوار من أجل التنسيق لمواجهة تداعيات تفشي الوباء في القارة الإفريقية، وتقديم المساعدات الطبية والإنسانية اليوم يندرج ضمن سياق ذلك الإتصال، ويبرز أن العاهل المغربي لا يطلق المبادرات لتكون مادة للترويج والإستهلاك الإعلاميين، وإنما القول عنده يقترن بالفعل الملموس، ويعتبر أن التفكير في القارة الإفريقية وشعوبها هو تفكير في الذات أساسا، وتفعيل لتضامن إنساني صادق من المغرب تجاه أشقاء له يجمعه معهم الإنتماء والتاريخ والمصير.
من جهة ثانية، تؤكد المبادرة الملكية الحالية استمرار المغرب في التعاطي مع قضايا القارة بذات المقاربة التي كان جلالة الملك قد أوضح أفقها ومعالمها وتفاصيلها في خطاب العودة إلى الإتحاد الإفريقي، وأساسا كون المغرب يسعى أن يكون قوة لتمتين السلم والإستقرار والأمن والوحدة داخل إفريقيا، وأن يجعل شعوب القارة وكل طاقاتها تتجند لربح تحدي البناء والتنمية وتحقيق التقدم، وأن المملكة لا تمارس المقايضة مع دول إفريقيا من أجل الإصطفاف في لعبة محاور عقيمة، أو لتحقيق مصالح سياسية أو إقتصادية أو هيمنية لحسابها، وإنما تضع مبادراتها الإنسانية والتنموية فوق كل هذه الإعتبارات الضيقة والظرفية، وتدرجها ضمن التفكير في مستقبل القارة وما يشهده العالم برمته من تحولات جذرية، وما يطرح على البشرية من رهانات لا بد من التنسيق والوحدة لمواجهتها.
المساعدات الإنسانية المغربية الحالية وجهتها المملكة، بتعليمات من جلالة الملك، إلى الدول الإفريقية من دون مقابل، وتم تحميلها ونقلها أيضا على نفقة المغرب، وهذا يبرز الحس الإنساني الكبير للمملكة وعاهلها، والتضامن الصادق مع الشعوب الإفريقية في هذه الأزمة الصحية القاسية التي اجتاحت العالم برمته.
لقد أتاحت المبادرة الملكية كذلك لشعوب القارة أن تستفيد بدورها من المنتجات التي جرى تصنيعها محليا في المغرب، واقتسمت المملكة منافعها مع الأشقاء الأفارقة مجانا، ولم يتم التفكير في أي حساب تجاري لإستغلال الظرفية وجني المداخيل والأرباح، أو مقايضة ذلك بمصلحة ذاتية ما.
إن الخطوة المغربية، كما مبادرات أخرى من قبل، تستحضر أولا حاجة شعوب القارة وضرورة مساعدتها لمواجهة الأمراض والأوبئة والفقر والهشاشة، ومن ثم هي تتوجه إلى الناس منشغلة بالمخاطر التي تهدد حياتهم وصحتهم…
لا أحد من القوى الإقليمية أو العالمية الممتلكة للإمكانيات والموارد، وأيضا المستفيدة من خيرات القارة الإفريقية وثرواتها، فكر اليوم في مساعدتها بدون مقابل أو مقايضة أو إبتزاز، ولهذا تبقى المبادرة الملكية المغربية رائدة وتمتلك مقومات التميز والمصداقية والشجاعة، وهي كذلك تكشف حسا إنسانيا وتضامنيا وحضاريا عاليا للمغرب والمغاربة تجاه أشقائهم الأفارقة، وذلك عبر عمل ميداني ملموس، وليس بمجرد الأقوال والخطب والبلاغات والنيات الطيبة.
< محتات الرقاص