المبادرة الملكية تجاه القارة الإفريقية ليست خطوة دبلوماسية شكلية أو مجرد تعبير عن تعاطف إنساني عابر، لكنها قرار هام يستحق التوقف.
فبرغم الانشغال اليومي الضاغط بتداعيات الوباء داخل الوطن وما يهدد به ذلك من مخاطر هنا والآن، بادر جلالة الملك منذ أيام إلى إجراء اتصالين هاتفيين بقائدي بلدين إفريقيين هما السينغال والكوت ديفوار، وتباحث معهما التطور المقلق لفيروس:”كوفيد-19″ في القارة، وعرض قيادة تنسيق جماعية وعملية وواقعية لمواكبة الجائحة وتداعياتها.
يعتبر هذا السلوك الملكي تجسيدًا واضحًا لانخراط العاهل المغربي في هموم القارة وانشغالاتها، وثقته في إمكانياتها وطموحات ومقدرات شعوبها، وإيمانه بمستقبلها.
جلالة الملك يؤمن بقدرة إفريقيا على أخذ مصيرها بأيديها، وأن لا تبقى فريسة من ينهب ثرواتها ويجني الأرباح منها أو يجرب اختراعاته و”أدويته”في شعوبها، ومن ثم اقترح اليوم على قادتها التعبئة الذاتية للعمل الجماعي ضد تفشي الوباء، ومن أجل الانتصار عليه وحفظ سلامة واستقرار القارة وصحة شعوبها.
إن التطورات المتسارعة اليوم تنبه أن المخاطر المتربصة بإفريقيا حقيقية وكبيرة بخصوص انتشار الفيروس، وبالتالي من الضروري بلورة منظومات متكاملة ومحكمة للوقاية والمواجهة، ومن هنا تنطلق المبادرة الإنسانية التضامنية التي يقودها ملك المغرب، ذلك أن انشغالات الدول الكبرى بأوضاعها المحلية على هذا المستوى، وبالبحث لنفسها عن حلول، سيجعل القارة الإفريقية تواجه المصيبة لوحدها وبشكل أعزل…
وتنطلق المبادرة الملكية تجاه الشعوب الإفريقية من ذات المنطلق الذي استند إليه جلالة الملك لما أقدم على قرارات ذكية وشجاعة تهم وضعنا الوبائي الوطني الداخلي، ذلك أن المقاربة الوقائية والاحترازية بشكل استباقي تبقى مفيدة، خصوصا أمام ضعف الإمكانيات المادية واللوجيستيكية والصحية، وبالتالي لا بد من تفادي تفشي الوباء بشكل كبير واتخاذ إجراءات احتياطية قبلية لمحاصرته.
وتؤكد هذه المقاربة في عمقها حكمة كبيرة وبعد نظر، فضلا عن حس تضامني كبير ينتصر لصحة الناس وسلامة البلدان أولًا، ولا ينشغل بحسابات التجارة وجني الأرباح وانتهاز فرص الكوارث والأوبئة لاقتراف الابتزاز والبيع والشراء.
نعرف أن الظرفية اليوم هي أساسًا للعمل في الميدان وإنقاذ الأرواح ومواجهة انتشار الفيروس القاتل، وليست لكثير كلام أو للمبالغة في مدح الذات والانتشاء المفرط بما تتخذه بلادنا من إجراءات، ولكن في نفس الوقت لا بد أيضًا أن ننوه بالنقاط الإيجابية والمضيئة، وفي مقدمة ذلك القرارات الشجاعة والذكية لجلالة الملك، والتي تقود اليوم في الميدان مختلف الإجراءات المتخذة، صحيا واقتصاديا وتدبيرًا، وهي ذات القرارات التي تتجسد كذلك في المبادرة الملكية اليوم تجاه القارة الإفريقية، وهي التي تلخص أيضًا العنوان المعبر عن المقاربة المغربية المتميزة في مواجهة فيروس:”كوفيد-19″.
ويحق كذلك اليوم الوقوف عند كثير إشادة وتنويه من أوساط عالمية متعددة بهذه المقاربة المغربية بالذات، ذلك أن ما كتبه وصرح به العديدون في مختلف بقاع الكون هذه الأيام، واتصالات قادة دول بالعاهل المغربي للتشاور والتعاون في هذه الظروف الصعبة، كل ذلك يجعل بلادنا تفتخر بما تقوم به اليوم.
تبقى الإشارة إلى أنه ولإنجاح كامل هذا المجهود المغربي الكبير ضد الوباء، يجب على مواطناتنا ومواطنينا مواصلة التزامهم الصارم بقواعد الحجر الصحي والبقاء في المنازل، واحترام كل مقتضيات حالة الطوارئ الصحية المعلنة في البلاد، والتقيد بشروط النظافة والوقاية.
بهذا فقط يمكننا أن نساعد بلادنا على تسريع خروجها من هذه المحنة الصحية والمجتمعية، وأيضا أن نجعل المغرب قادرًا على لعب أدوار مهمة داخل إفريقيا وعبر العالم في المرحلة الحالية وفي المستقبل.
محتات الرقاص