بداية تنزيل الدستور

القانون التنظيمي الأول الذي صادق عليه مجلس الوزراء يوم الثلاثاء برئاسة جلالة الملك، يعتبر أول بلورة فعلية لمقتضيات الدستور الجديد، وهو يرتبط بسلطة التعيين في المناصب السامية في المؤسسات والمقاولات العمومية وفق أحكام الفصلين 49 و92 من الدستور. وبحسب بلاغ صادر عن وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، فإنه بموجب النص المصادق عليه، يصل عدد التعيينات التي تدخل في اختصاص مجلس الحكومة٬ بما فيها التعيين في الوظائف حسب الفصل 92 من الدستور٬ إلى أزيد من 500 تعيين.
وأوضح  المصدر الحكومي نفسه٬ أنه مقارنة مع 39 مؤسسة ومقاولة ذات طابع استراتيجي يتم التعيين فيها من طرف مجلس الوزراء من أصل 746 مؤسسة ومقاولة عمومية والشركات التابعة لها٬ فإن 136 مؤسسة ومقاولة يختص مجلس الحكومة بالتعيين فيها٬ وإذا أضيف هذا العدد لعدد الوظائف التي يختص نفس المجلس بالتعيين فيها٬ فإن العدد الإجمالي يفوق 500 تعيينا.
وزاد أن تعيين المسؤولين عن المؤسسات والمقاولات العمومية الإستراتيجية يتم في المجلس الوزاري من قبل جلالة الملك٬ بعد المداولة في المجلس الوزاري٬ بناء على اقتراح رئيس الحكومة٬ وبمبادرة من الوزير المعني.
لقد تعمدنا إبراز تفاصيل النص هنا للتأكيد على أن الخطوة ذات أهمية كبيرة مقارنة مع السياق الدستوري والمؤسساتي والسياسي الذي ساد إلى وقت قريب، وإذا نجحت الحكومة في تطبيق هذه المقتضيات، وفي ممارسة كافة صلاحياتها بهذا الخصوص وفق حكامة نزيهة وناجعة، فإن الأمر سيؤسس لتحول نوعي في التدبير المؤسساتي العام لحياة الدولة ولميكانيزمات عملها.
لا ننظر لمثل هذه التحولات بمنطق القطائع، أو بمنطق المبارزات المتخيلة ومن ينتصر فيها أو من يتنازل للآخر، إنما ننظر لذلك بمنطق مراكمة التحولات وبناء أسس التغيير، كما أن الإقدام على التحول يؤكد أساسا وجود إرادة جماعية لإنجاح مسلسل التغيير في البلاد، وهي الإرادة التي يجب تشجيعها وتطويرها وتقوية الثقة المتبادلة بين أطرافها.
النص المشار إليه لم يكتف بتحديد مجالات ومؤسسات التعيين، إنما شدد أيضا على مبادئ ومعايير هذا التعيين، وركز على تكافؤ الفرص والاستحقاق والشفافية، كما حث على عدم التمييز، وعلى ضرورة احترام مبدأ المناصفة بين النساء والرجال.
لقد جرى باعتماد هذا القانون التنظيمي تنزيل أحكام الدستور الجديد، ويؤمل أن يكون ذلك بداية لبلورة باقي القوانين التنظيمية والآليات المؤسساتية المنصوص عليها في القانون الأسمى للمملكة، كما يؤمل أن تنجح كافة الأطراف المعنية في تطبيق ما ينص عليه القانون المذكور، خصوصا على صعيد معايير وشروط التعيين في المناصب السامية، وعدم إغفال المبدأ الجوهري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة، وأيضا جعل المسار كله يندرج ضمن السعي إلى تفعيل حكامة جيدة على مستوى كامل مؤسساتنا الاقتصادية والإدارية والسياسية.
[email protected]

Top