يتواصل الفرار من تيندوف، وفيها يستمر الاحتجاج والغضب ضد زمرة عبد العزيز.
إنها الصورة التي تلخص حالة البوليساريو اليوم، ولذلك تبحث قيادتها باستمرار عن مخارج للانعتاق من المنغلق، ومن أجل إيجاد مجال للتنفس يطيل الحكاية ولو بشكل مأساوي… لقد فاق عدد الذين فروا منذ 25 مارس الماضي من تيندوف نحو الوطن الخمسمائة، ضمنهم 88 امرأة و60 طفلا، ومن داخل الذين لم يستطيعوا معانقة الوطن بعد، خرجت في تيندوف مؤخرا مناشير تدعو للثورة على جماعة عبد العزيز، وتتهمها بالفساد..
وزاد هذا الغضب المستشري وسط الناس، من حدة الاحتقان في تيندوف، وانضاف إلى موجة التطاحن بين قياديي الجبهة الانفصالية، وتواتر الخلافات والاتهامات بين أنصار عبد العزيز من جهة ومعارضيه من جهة ثانية، حتى أن عددا من المراقبين باتوا يحذرون من خطر انفلات أمني في المنطقة.
في المقابل نقرأ في صورة أخرى بمدينة الداخلة اطمئنانا مغربيا لم تجسده فقط فعاليات مهرجان المدينة ونجوم السينما من المغرب ومن الخارج التي حضرته، إنما جسده كذلك إقدام قائد المنطقة العسكرية على خطوة غير مسبوقة، وهي استقبال عشرات الإعلاميين من بلدان إفريقية وفرانكفونية مختلفة واطلاعهم على «الإستراتيجية العسكرية المغربية»، وبسط كل المعطيات أمامهم، والرد على أسئلتهم…
هنا المشهد به اطمئنان، وهناك تتزايد الاحتجاجات ويلوح خطر الانفلات، وغاضبون يطالبون بثورة شاملة…
وفي عمق الصورة يظهر للكل الطرف الحقيقي المحرك للعبث كله…
العالم كله اتضحت أمامه الصورة، وفي الداخلة كان القائد العسكري المغربي يشير للجزائر بالاسم وبكل الوضوح، ووحدهم حكام البلد الجار يصرون على عمى البصيرة والأبصار، ويستمرون في جر التاريخ من ذيله…
في الأسابيع الأخيرة برزت العديد من الدعوات لتعزيز البناء المغاربي المشترك، ومن أجل فك الحصار عن الوحدة المغاربية، ووحدهم حكام الجزائر يقفون في وسط العناد…
حتى عندما شارك فاعلون اقتصاديون وتجاريون مغاربة في معرض بالجزائر، وتفاعل الناس مع المغرب ومع بضائعه، وبالرغم من زيارة رئيس الوزراء أويحيى للرواق المغربي، فإن الصمم والعمى أصاب قصر المرادية وقاطنيه…
وحتى نقابات للتعليم العالي التي أحدثت اتحادا تنسيقيا بينها مقره الرباط، لم تجد هناك من يلتقط الإشارة، والرد بخطوة ملموسة.
النظام الجزائري اليوم مشكلة، خصوصا عندما يكون مبرر التنطع والعناد عقدا نفسية من الزمن السياسي والدولي البائد.
المشكلة تعني فعلا شعوب المنطقة، وضمنها الشعب الجزائري، وتعني بلدان المتوسط وكل العالم المنشغل بالرهانات الإستراتيجية والأمنية في هذه المنطقة…
أما المغرب، وإن كانت عينه مفتوحة باستمرار على المشكلة كما بقية العالم، فهو في صحرائه يحضر في الميدان وفي القلب والعقل معا، ويواصل المسيرة، داعيا لجيراننا بالتخلص من تيههم ومن الجنون.