تاريخ الحروب..-الحلقة 8-

تدفع الحرب الروسية – الأوكرانية التي تدور رحاها بأوروبا الشرقية، والتي أججت التوتر بين الغرب وموسكو وتنذر باتساع رقعتها نحو، ما وصفه مراقبون، “حرب عالمية ثالثة” لها تكاليف باهظة ليس على المنشئات والبنية التحتية فقط وإنما على مستوى الأرواح وعلى ملايين الناس الذين تنقلب حياتهم رأسا على عقب، إلى تقليب صفحات الماضي، لاستحضار ما دون من تفاصيل حروب طاحنة جرت خلال القرن الماضي، وبداية القرن الحالي.
في هويات متداخلة، كما في روسيا وأوكرانيا، لم يبق أحد خارج الحرب. انتهت الحروب وحفرت جراحا لا تندمل وعنفا لا ينسى. وفي هذه السلسلة، تعيد “بيان اليوم” النبش في حروب القرن الـ 20 والقرن الـ 21 الحالي، حيث نقدم، في كل حلقة، أبرز هذه المعارك وخسائرها وآثارها، وما آلت إليه مصائر الملايين إن لم نقل الملايير من الناس عبر العالم..

الحرب الكورية.. اندلعت في 1950 وشبحها يخيم لحدود اليوم (1)

عاشت شبه الجزيرة الكورية شرق آسيا فصولا من الصراعات الدامية، ذلك أن موقعها الاستراتيجي جعلها قبلة لكثير من المحتلين، في فترات مختلفة من التاريخ، ولعل بداية القرن الـعشرين ستعرف أوج الصراعات، ذلك أن  إمبراطورية اليابان استطاعت التخلص من التأثير الصيني على شبه الجزيرة الكورية في الحرب اليابانية الصينية الأولى (1894–1895) ما أدى إلى قيام إمبراطورية كوريا التي لم تدم طويلا.

وجعلت اليابان كوريا محمية تابعة لها بتوقيع معاهدة أولسا عام 1905 بعد عقد من الزمن عقب هزيمتها للإمبراطورية الروسية في الحرب الروسية اليابانية (1904–1905)، وضمتها لليابان بعد التوقيع على معاهدة الضم اليابانية الكورية عام 1910.

انقسام كوريا

في غشت 1945 ومع استسلام اليابان الوشيك في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية، تم الاتفاق على توقيع اليابان اتفاقية الاستسلام والتي بموجبها ستقوم القوات اليابانية بشمال كوريا بالاستسلام للاتحاد السوفيتي وفي الجنوب للقوات الأمريكية.

وهكذا ودون استشارة الكوريين، انقسمت بلادهم لتتحول إلى منطقتي احتلال واضعين الأساس لحرب أهلية لا مناص منها ورغم أن السياسات والأفعال التي تمت قد ساهمت في ترسيخ الانقسام كان أول قرار اتخذه الأمريكيون هو إعادة عدد كبير من الإداريين اليابانيين ومساعديهم الكوريين الذين كانوا في السلطة أثناء الفترة الاستعمارية كما رفضت الإدارة الأمريكية الاعتراف بالتنظيمات السياسية التي أنشأها الشعب الكوري، وقد أدت هذه الإجراءات إلى غير المفهومة وغير الشعبية بالنسبة للكوريين الذين عانوا من الاضطهاد الياباني إلى عدد من الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية والعمالية.

بعد هذا التقسيم، بدأ الحديث حول شمال كوريا وجنوبها، بدون الحديث عن دولة كوريا مستقلة، الأمر الذي سيؤدي إلى احتجاجات ومناوشات كثيرة، خصوصا بعد الاتفاق الأمريكي – السوفياتي في دجنبر 1954 على إدارة البلاد بما وصف باللجنة الأمريكية السوفيتية المشتركة، والتي خرج بها اجتماع موسكو لوزراء الخارجية.

كما نص الاتفاق السوفياتي – الأمريكي على أنه بمرور 4 سنوات من الحكم الذاتي تحت الوصاية الدولية ستصبح البلاد حرة مستقلة، على أن كل قسم سوف يحكم تحت قيادة الكوريين، فيما رفض غالبية الشعب الكوري لكثير من هذه الترتيبات التي أدت بشكل رمسي إلى تقسيم البلاد، وهو ما سيؤدي إلى قيام سلسلة من التمردات الدموية في الجانب الشمالي وإضرابات في الجانب الجنوبي.

الحرب الأهلية الكورية

بعد هذا التقسيم، سعت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي إلى وضع حكومات متوافقة مع إيديولوجيتهما، وهكذا تقوى المد الشيوعي في الشمال، وما كان يسمى بالمد الديمقراطي في الجنوب، وبدأت بشكل تدريجي تقل مساعي توحيد البلاد.

أمام هذا الوضع، انتقلت مساعي الكوريين من إعادة توحيد بلادهم إلى المنافسة في ضم الجانب الآخر والسيطرة عليه، فيما كانت قوى كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي تدعم الحكومات الموالية لها

تنافس كلا من حكومتي الشمال والجنوب على توحيد شبه الجزيرة الكورية مواصلين الهجمات العسكرية على طول الحدود خلال الفترة من 1949 حتى أوائل 1950 لكن الشمال غير طبيعة الحرب من مجرد مناوشات على الحدود إلى حرب أهلية واسعة النطاق.

اكتساح عسكري لحكومة الشمال

بدأ جيش كوريا الشمالية هجومه المفاجئ قبل فجر يوم الأحد 25 يونيو 1950 بساعات مخترقين خط عرض 38 (الخط الذي تم وضعه في إطار الحدود بين القوات الأمريكية والسوفياتية عقب استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية)، وذلك تحت غطاء من القصف النيراني الكثيف بواسطة المدفعية ومجهزين بـ 242 دبابة من ضمنهم 150 دبابة تي- 34 سوفيتية الصنع، كانت كوريا الشمالية قد دخلت الحرب وهي تمتلك ما يزيد   عن 180 طائرة حربية من ضمنها 40 طائرة مقاتلة من طراز ياك و70 قاذفة قنابل هجومية.

كانت حكومة كوريا الشمالية قد تقوت بشكل كبير على المستوى العسكري بالمقارنة مع نظيرتها الجنوبية التي كانت تمتلك جيش يضم حوالي 65 ألف جندي مسلح ومدرب ومجهز بواسطة الجيش الأمريكي، فيما كانت تعاني من نقص كبير في المدرعات والمدفعية، كما لم يكن هناك أي وحدات قتالية اجنبية كبيرة بالبلاد عندما بدأت الحرب الأهلية، باستثناء قوات أمريكية كبيرة كانت متمركزة في اليابان.

وهكذا، وبتفوقها العسكري استطاعت كوريا الشمالية تنفيذ خطتها العسكرية كما وضعتها، واستطاعت بواسطة حوالي 135 ألف جندي من الانتصار والاستيلاء على العديد من المناطق الهامة بما فيها جيسونغ، شونشيون، يوجيونغبو واونجين، حيث تواصل الهجوم البري، بينما كان الطيران الحربي، في نفس الوقت، يقذف مطار كيمبو بالقرب من سول. بعد أقل من ثلاثة أيام على الهجوم الكاسح لكوريا الشمالية على الجنوب، استطاعت احتلال العاصمة سول واقتربت بشكل كبير من إعلان سيطرتها على البلاد بعد انحلال جيش كوريا الجنوبية، لكن التدخل الأجنبي سيحول دون ذلك.

تدخل الأمم المتحدة

شكل هجوم كوريا الشمالية على كوريا الجنوبية، صدمة للقوى الغربية التي كانت تدعم الجنوب وحكومته، لكنها، لم تتوقع حربا بهذه الحدة والسرعة، خصوصا وأن دين اشيسون وزير خارجية الولايات المتحدة في الكونغرس الأمريكي كان قد أعلن أيام قليلة قبل اندلاع الغزو الشمالي للجنوب بأنه لا يوجد احتمال لحدوث حرب.

بعد صدمة الحرب واقتراب كوريا الشمالية من السيطرة على أراضي شبه كوريا كاملة، سارع الرئيس الأمريكي حينها هاري ترومان إلى الأمم المتحدة للحصول على موافقتها للتدخل في كوريا.

سارعت الأمم المتحدة، بدورها، إلى وضع مسودة قرار مجلس الأمن رقم 82 والذي نادى بإنهاء كافة العمليات العدائية وانسحاب كوريا الشمالية إلى خط عرض 38، تشكيل لجنة للأمم المتحدة في كوريا لمراقبة الوضع وإبلاغ مجلس الأمن، فيما ألزمت جميع الأعضاء بمساندتها في تحقيق ذلك والامتناع عن إمداد كوريا الشمالية بالمساعدة.

في 27 يونيو 1950، أي يومين على بداية الحرب، تمت الموافقة على القرار دون إجماع بسبب غياب الاتحاد السوفياتي المؤقت عن مجلس الأمن، الذي لم يتمكن بسبب غيابه من التصويت بالفيتو وامتناع دولة وحيدة عن التصويت هي يوغوسلافيا. وهكذا قررت الأمم المتحدة مساعدة ودعم كوريا الجنوبية، وشارك في تنفيذ القرار 15 دولة عضوة بالأمم المتحدة هي كندا، أستراليا، نيوزيلاندا، بريطانيا، فرنسا، جنوب أفريقيا، تركيا، تايلاند، اليونان، هولندا، إثيوبيا، كولومبيا، الفلبين، بلجيكا، لوكسمبورغ ودول أخرى.

وبالرغم من كثرة الدول المشاركة فقد تحملت الولايات المتحدة توفير 50 بالمئة من القوات البرية، فضلا عن 86 بالمئة من القوة البحرية و93 بالمئة من القوات الجوية، بالمقابل أعلن كل من الاتحاد السوفياتي والصين دعمهما لكوريا الشمالية.

حرب استرداد كوريا الجنوبية

استمرت الحرب بمحيط العاصمة سول، قبل أن تتدخل القوات الأجنبية في الحرب، والتي ستشرع في استرداد أراضي كوريا الجنوبية التي سيطرت عليها حكومة الشمال، وكانت أول معركة خاضتها القوات الأمريكية ما يسمى “معركة محيط بوسان” حيث فشلت القوات الشمالية في الاستيلاء على بوسان.

بدأت القوات الأمريكية في تعزيز صفوفها وإيفاد آلاف الجنود إلى أرض المعركة، وشنت في البداية ما يزيد عن 40 غارة جوية لمساندة أعمال القتال البرية واستهداف القوات الشمالية وضرب الطرق والبنية التحتية من أجل منع وصول الإمدادات الضرورية لقوات كوريا الشمالية في الجنوب بالرغم من أن معظم شبه الجزيرة الكورية في قبضة الشمال.

عززت القوات الأمريكية بعشرات الآلاف من الجنود وكذا العتاد الحربي والدبابات، حيث استطاعت إلى جانب الحلفاء من تنظيم جيش أكبر من جيش كوريا الشمالية، وذلك للمضي قدما في استرداد الأراضي التي احتلتها كوريا الشمالية من نظيرتها الجنوبية.

ونتيجة لهذه اتعزيزات المتدفقة على الجبهة والهجمات المتتالية عانت قوات كوريا الشمالية من نقص الأفراد وضعف النظام اللوجيستي للدعم وذلك بالإضافة إلى افتقادهم للقوة البحرية والجوية التي تمتع بها القوات الأمريكية.

ستشن القوات الأمريكية عملية “كرومايت” التي تعد من اخطر العمليات البرمائية والتي على إثرها ستتغير معطيات الحرب التي كانت لصالح الشماليين في البداية، وستعرف هجوما عكسيا.. التتمة في الحلقة المقبلة.

> إعداد: توفيق أمزيان

Related posts

Top