تازة

مرة أخرى تشتعل الاحتجاجات في تازة، ومرة أخرى يعود العنف ليوزع رعبه في أرجاء المكان، ومرة أخرى يحتج الناس من أجل المطالب ذاتها، ويرفعون الشعارات نفسها، وفي وجه المسؤولين أنفسهم…
لقد كتبنا، وكتب غيرنا، بأن احتجاجات تازة مردها مطالب اجتماعية واضحة ومعلنة: فواتير الماء والكهرباء، البنية التحتية، النظافة ومطرح النفايات، تدبير مباريات الولوج للوظيفة العمومية، التعاطي الإيجابي مع الملف المطلبي للطلبة في شقه المادي والتربوي والحقوقي…، لكن وحده عامل الإقليم بقي صاما أذنيه، ومشيحا ببصره عن كل ذلك، والمنتخبون المحليون قدموا بدورهم استقالتهم من كل قضايا السكان والمدينة، ولم يجد الناس سوى الشارع ليحتضن أصواتهم وصراخهم…
في الوقائع هناك عجز واضح إذن من طرف السلطات الإقليمية عن التدبير الأمني السليم للأزمات التي تحصل، وهناك عجز أخطر في إبداع الحلول وبلورة السياسات التي من شأنها تقديم أجوبة للمشاكل الاجتماعية والتسييرية المعبر عنها من طرف فئات مختلفة من الساكنة.
ماذا كان ينتظر مسؤولو تازة عندما رفضوا الحوار مع الناس، وفي نفس الوقت امتنعوا عن إيجاد الحلول؟، فكل ذي عقل لم يكن يتوقع سوى أن يتفاقم الغضب وتبرز تداعيات خطيرة لقلق الناس.
تازة مدينة مهمشة، ولا مداخل تنموية لديها، وسكانها صرخوا مرة وكرروا ذلك ثانية وثالثة، ولا شعرة تحركت في عامل الإقليم، حتى لفتح حوار، وهذا السلوك الغريب هو الذي فاقم الغضب، ويهدد اليوم بما هو أكثر، ولهذا وجب وضع حد لمثل هذه الممارسة السلطوية الغارقة في العتاقة.
من جهة ثانية، فإن المنظومة السلوكية التي ينهجها مسؤولو تازة منذ مدة هي التي «تهدي» الاحتجاجات الاجتماعية العادية إلى الجماعات الأصولية المتطرفة والعدمية، وتحولها من تعبير عن مطالب بسيطة إلى انفلات حقيقي يهدد استقرار مدننا وطمأنينة السكان والحياة العامة.
كما يتم تهريب الشعارات في المسيرات والاعتصامات، ويتم الركوب على حالات إحراق الذات هذه الأيام من لدن الشباب العاطل، فإن احتجاجات السكان على الغلاء وعلى ممارسات السلطات المحلية وعلى الفقر يتم هي كذلك تهريبها والركوب عليها لاحتلال الفضاء العمومي، وممارسة لعبة إسقاط سياقات جغرافية وسياسية بعيدة عنا وعلى واقعنا المحلي المختلف وعلى مطالب مواطنينا ومواطناتنا.
الحاجة ملحة اليوم إلى إشارات فورية وجدية تحمل معنى التغيير، والبداية من تازة أولا، كما أن الحاجة ملحة أيضا إلى تفعيل خطاب سياسي شجاع وجريء بشأن معضلة البطالة، وذلك بإشراك كل أطراف الحركية الاجتماعية والسياسية في البلاد، ثم إن الحاجة ملحة ثالثا إلى جعل كل المسؤولين مركزيا ومحليا يباشرون الحوار مع الناس بأسلوب جدي ومحترم، ويقوم على معجم الوضوح.
[email protected]

Top