بحس مواطناتي عال، يكرس مبدأ التكافل الاجتماعي في أرقى تجلياته، تتواصل قوافل التضامن، التي تسابق الزمن من أجل إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة بسبب الزلزال الذي ضرب الجمعة الماضي منطقة الحوز وامتدت آثاره المدمرة إلى أقاليم شيشاوة، تارودانت، ورزازات وأزيلال.
المعاناة والآلام الناجمة عن هذا الجرح العميق، وعن هذه المأساة الإنسانية، كانت حافزا لكل المغاربة الذين هبوا منذ اللحظات الأولى للكارثة، من أجل مد يد المساعدة للمتضررين، ومن أجل إعادة نثر خيوط الأمل من جديد، وإبراز قدرة المغاربة على تجاوز العثرات مهما عظم حجمها، على أمل أن تستمر الحياة بشكل أحسن.
كل الملاحظين، سواء في الداخل أو في الخارج الذين يتابعون هذه الدينامية المجتمعية الاستثنائية على المستوى الميداني، والتي تم إطلاقها بمبادرة من مجموعة من الجمعيات المدنية من مختلف الاهتمامات والتخصصات، يجزمون على أن المغاربة قادرون على تجاوز تداعيات هذه الكارثة بسرعة، رغم فداحة خسائرها البشرية والمادية.
هذا التضامن الشعبي الجارف، الذي تترجمه مختلف المبادرات الميدانية التي تطلقها جمعيات المجتمع المدني والهيئات المهنية من أطباء وقضاة ومهندسين ورجال التعليم ومحامين، والمنظمات النقابية، ومغاربة العالم، يؤكد على أن التفكير واحد ومتقاسم، ينصب حول سبل وأشكال المؤازرة والتضامن مع المواطنات والمواطنين في القرى والدواوير المنكوبة في كل المناطق التي تضررت جراء هذا الزلزال الذي صنف كأكبر كارثة طبيعية في تاريخ المغرب الحديث.
فمنذ اللحظات الأولى لهذا الزلزال المدمر، استحضر الجميع حجم الكارثة التي حلت بساكنة هذه المناطق، والتي خلفت المئات من الشهداء والجرحى والمفقودين، واستشعر الجميع، حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، خاصة فعاليات المجتمع المدني بكل أطيافه الذي تحرك بشكل عفوي وتلقائي، في إطار قوافل إنسانية في اتجاه المناطق المتضررة وانفتح على كل المبادرات التضامنية لدعم ومؤازرة ضحايا زلزال الحوز.
ففي كل المدن والقرى، تستوقفك طوابير المواطنات والمواطنين، الذين جاؤوا للمساهمة بكل أشكال الدعم المتاحة لهم، وبشكل نوعي ومنظم، وحضاري، في هذه القوافل التضامنية، حيث تم تخصيص مستودعات في العديد من المدن كالرباط، والحسيمة، وطنجة، والدار البيضاء، والجديدة، وأكادير، وكلميم وغيرها من المدن المغربية التي تداعى لها المواطنون، من أجل تجميع المساعدات التي هي عبارة عن مواد غذائية وطبية وأغطية وألبسة، قبل إرسالها بشكل منظم للمناطق المتضررة، بتنسيق مع السلطات المختصة ومع جمعيات المجتمع المدني بتلك المناطق.
فبالإضافة إلى الإمكانيات الهائلة التي سخرتها مؤسسة محمد الخامس للتضامن، من أجل إيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة، ومدها بالحاجيات الضرورية من قبيل الخيام والأسرة والأغطية والمواد الغذائية والأدوية، فإن الأخبار التي استقتها بيان اليوم، من مصادرها ببعض المناطق المتضررة، تفيد أنه، منذ صباح الأحد، اكتظت الطرقات بهذه القوافل التي تحولت في بعض الأماكن، بدون قصد، إلى مصدر إرباك وعرقلة لتسيير هذه المساعدات، وفي بعض الأحيان، عرقلة مرور سيارات الإسعاف، بفضل صعوبة المسالك الطرقية التي لم تفتح بالكامل بالنظر إلى حجم الدمار الذي لحقها، وهو ما بات يفرض وبشكل كبير تنسيق هذه الجهود التضامنية، وتوجهها بشكل منظم وفق حاجيات كل منطقة متضررة، حتى لا تتكدس في منطقة معينة، ولا تصل إلى منطقة أخرى، أو حتى إن وصلت تكون غير كافية، أو غير ناجعة.
على كل حال، فهذه الفاجعة، وإن خلفت آثارا مدمرة ماديا ونفسيا، فإنها على الأقل سنحت لفئات الشعب المغربي باستنهاض الهمم، والتجند بشكل فردي وجماعي، للتضامن والمؤازرة دون قيد ولا شرط..
محمد حجيوي