77 مليار درهما لتمويل مشاريع ضخمة تربط المغرب بامتداده الإفريقي
أشرف جلالة الملك محمد السادس أول أمس السبت بمدينة العيون، مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي رشيد، على حفل إطلاق النموذج الأول لمفهوم الجهوية المتقدمة، بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، كما ترأس جلالته التوقيع على خمس اتفاقيات للتنمية المندمجة تهم الجهات الجنوبية الثلاث للمملكة: جهة كلميم واد نون وجهة العيون الساقية الحمراء وجهة الداخلة.وتبلغ القيمة الإجمالية لمشروع التنمية الخاص بالأقاليم الجنوبية حوالي 77 مليار درهما لفترة تمتد على ست سنوات (2015 – 2025) ستعرف إنجاز 200 مشروعا من أجل الرفع من الناتج الداخلي للجهة وخلق 120 ألف منصب شغل.
وتتوزع مشاريع التنمية في هذا المخطط على ثلاثة محاور أساسية: البنية التحتية والانفتاح تجاه إفريقيا وتحسين عيش المواطنين في الجهات الجنوبية الثلاثة للمملكة.
ولعل أهم ما حمله مشروع تنمية الجهات الثلاث، بالإضافة إلى حمولته الاقتصادية والاجتماعية، هو نوع الارتباط الجديد الذي سيربط الدولة المغربية بالجهات، إذ نصت ديباجة الاتفاقية على مبدأ “التعاقد” بين الطرفين كأداة للتقييم والمحاسبة أثناء وبعد التنفيذ الفعلي للمشاريع. وتعتبر هذه المناسبة أول مرة يطرح فيها مبدأ التعاقد بين الدولة والجهة رسميا كآلية مؤطرة لتنفيذ مشاريع التنمية المندمجة، انطلاقا من الجهات الجنوبية الثلاث في انتظار تعميمها على باقي جهات المملكة من خلال مشروع الجهوية المتقدمة.
وإذا كان الغرض الأساسي من نموذج التنمية الجديد هو ربط المناطق الجنوبية للمملكة بمشاريع التنمية في كل التراب الوطني، وإعدادها للانفتاح اقتصاديا على إفريقيا، فإن الرهان على العنصر البشري يظل هيكل الاتفاقيات الخمس الموقعة بين الدولة ورؤساء الجهات الثلاث والمكتب الشريف للفوسفاط والاتحاد العام لمقاولات المغرب، كما جاء في ديباجة الاتفاقيات، إذ من المنتظر أن تركز نسبة هامة من المشاريع الـ 200 المقررة في هذا البرنامج على الرفع من مستوى عيش المواطنين عبر الرفع من الدخل الفردي بـ 20 في المائة من مستواه الحالي وخلق مزيد من مناصب الشغل.
وقدم وزيرا الداخلية والاقتصاد والمالية، بالمناسبة، أمام جلالة الملك محمد السادس، محاور النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية للمملكة.
وفي هذا الصدد، اعتبر محمد حصاد وزير الداخلية، أن الأقاليم الجنوبية عرفت تغييرا في معالمها، بفضل استراتيجيات وخبرات منسجمة في خدمة السكان، ساهم في تشييد البنيات التحتية ومكن من تحقيق دينامية ملموسة في سياق مسيرة تنموية كبرى.
وأضاف حصاد، في كلمة أمام جلالة الملك، أن هذا التطور يتجلى من خلال مجموعة من المؤشرات، تتمثل في كون الدخل الفردي بالأقاليم الجنوبية يفوق متوسط الدخل الفردي على الصعيد الوطني بـ 20 في المائة، وأن نسبة الولوج إلى الماء الصالح للشرب هي 99 في المائة مقابل متوسط 92 في المائة في بقية أنحاء المملكة. وسيتم، حسب حصاد، رصد خلال 12 سنة القادمة، 7 ملايير درهما لجهة العيون الساقية الحمراء، و6.6 ملايير درهما لجهة الداخلة واد الذهب، و5.5 ملايير درهما لجهة كلميم واد نون.
ومن جهته، قدم محمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية، أمام جلالة الملك، محاور هذا النموذج التنموي، التي لخصها في الجانب الاقتصادي عبر إحداث أقطاب تنافسية، قادرة على خلق دينامية جديدة للنمو، وخلق فرص الشغل، ثم الجانب الاجتماعي من خلال تعزيز التنمية المندمجة، وتثمين البعد الثقافي. في حين يتمثل الجانب الثالث في الاستدامة وذلك عبر ضمان التنمية المستدامة، وتحسين شبكات الربط بين الأقاليم الجنوبية وباقي ربوع المملكة من جهة، والدول الإفريقية جنوب الصحراء من جهة أخرى. أما المحورالرابع فيتجلى في الحكامة، وذلك بالاستناد على الحكامة المسؤولة، في إطار الجهوية المتقدمة وتكريس ثقافة حقوق الإنسان لتعزيز الثقة وترسيخ الديمقراطية.
وأشار بوسعيد في تقديمه، أن الغلاف المالي لتنمية الأقاليم الجنوبية يتطلب 77 مليار درهما مع خلق 120 ألف فرصة عمل.
وفي نفس السياق، قدمت مجموعة أخرى من العروض، قدمها منتخبون ووزراء ومسؤولون. وفي هذا الإطار، قدم رئيس جهة العيون الساقية الحمراء حمدي ولد الرشيد، مشروع تطوير جهة العيون الساقية الحمراء للفترة ما بين 2016 و2021، والذي يهم أقاليم العيون والسمارة وبوجدور وطرفاية.
ومن جانبه أبرز المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط مصطفى التراب، أن المكتب يعتزم، في إطار هذا النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، إنجاز مركب صناعي جديد لإنتاج الأسمدة (16,8 مليار دهما) فضلا عن إحداث “تكنوبول” بفم الواد (2 مليار درهم) والذي سيحتضن جامعة محمد السادس متعددة التخصصات بمدينة العيون، وثانوية للامتياز ومركزا لتأهيل الكفاءات.
من جهتها، أكدت رئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب مريم بن صالح شقرون أن الاتحاد سيواكب تفعيل هذا النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، عبر مبادرة تتضمن تعبئة الاستثمارات وخلق فرص الشغل في الأقاليم الجنوبية. وتابعت أن هذه المبادرة (5.4 ملايير درهم) تتضمن إنجاز 59 مشروعا من مختلف القطاعات (الطاقة والعقار والتجارة والخدمات والنقل والتربية والصحة) وهو ما سيمكن من خلق 10 آلاف و300 منصب شغل.
واستعرض وزير التجهيز والنقل واللوجيستيك، عزيز رباح، مشروع تهيئة الطريق الوطنية رقم 1 الرابطة بين تيزنيت والداخلة (8,5 ملايير درهما)، لافتا إلى أن هذا المشروع الذي ستستفيد منه ساكنة جهات سوس ماسة وكلميم وداد نون والعيون الساقية الحمراء والداخلة واد الذهب، سينجز داخل أجل ست سنوات على طول 1055كلم.
أما وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، فاستعرض الخطوط العريضة لمشروعين مهيكلين سيمكنان من إعطاء دينامية جديدة للاقتصاد الفلاحي بجهة العيون- الساقية الحمراء.
ويهم هذان المشروعان، على التوالي، إحداث مدار سقوي على مساحة 1000 هكتار لتنمية سلسلتي الخضروات والحليب لفائدة ساكنة وفلاحي جماعة الجريفة بإقليم بوجدور باستثمار تبلغ قيمته 465 مليون درهما، وبرنامج مشاريع الفلاحة التضامنية لمخطط المغرب الأخضر بالجهة ( 1,1 مليار درهم).
وبنفس المناسبة، سجل وزير الصحة الحسين الوردي أن المركز الاستشفائي الجامعي للعيون (1.2 مليار درهم) سيوفر خدمات صحية من الجيل الثالث، وتبلغ سعته 500 سريرا، مبرزا أن هذه البنية الاستشفائية النوعية المرجعية ستضم، فضلا عن ذلك، قطبا للامتياز من مختلف التخصصات (الأم والطفل والإنكولوجيا والطب النفسي والمستعجلات وغيرها).
تجدر الإشارة، إلى أن هذا الحفل حضره نحو 4000 شخصية، من بينهم رئيس الحكومة، ومستشارو صاحب الجلالة، وأعضاء الحكومة، والمنتخبون، وأعيان وشيوخ قبائل الأقاليم الجنوبية ووفد صحافي يمثل الصحافة الوطنية والدولية.