حرب حقيقية في الدار البيضاء

ما عاشته شوارع وأحياء الدار البيضاء من رعب وشغب وخراب، أول أمس، دق مرة أخرى كل أجراس التحذير والتنبيه، وخلف كثير امتعاض وغضب واستنكار وسط الساكنة البيضاوية.
لم يعد مقبولا أن تتحول مباراة عادية في كرة القدم، سواء عند إجراء لقاءات الديربي البيضاوي، أو أثناء مباراة الرجاء البيضاوي ضد الجيش الملكي كما حدث هذه المرة، إلى حرب حقيقية لا يكون أبطالها الحقيقيون سوى المنحرفين والمخربين والمكسرين والمجرمين…

ليس مقبولا أيضا أن تنتهي مباراة في كرة القدم إلى تخريب 8 قاطرات ترامواي، و7 حافلات للنقل العمومي، و13 سيارة، وتكسير واجهات 15 محلا تجاريا، وفق ما اعترفت به مصالح وزارة الداخلية، ولا شك أن الخسائر أكبر وأفضع، وضحاياها هم السكان الذين خربت ممتلكاتهم، بالإضافة إلى التخريب الذي استهدف مرافق عمومية هي في نهاية المطاف ممتلكات لبلادنا وشعبنا.
لن يجدي كثيرا لوك الكلام الكبير اليوم عن إشكاليات التوتر والاحتقان، واستغلال المنافسات الرياضية لتصريف الحنق الاجتماعي، وإنما وجب اليوم التعبير أولا بصوت عالٍ عن رفض كل هذه الهمجية، ثم المطالبة بتطبيق القانون ضد المتورطين، وبالتالي بعث إشارات واضحة وحازمة بأن هذا الإجرام مرفوض، ويعاقب عليه القانون.
من جهة ثانية، لابد من التحقيق إداريا في كيفية حصول ما حصل، وأين وقع الاختلال، ذلك أن من لم يستطع النجاح في التدبير الأمني والتنظيمي لمباراة محلية بين فريقين مغربيين برسم البطولة الوطنية، ليس من حقه التطلع إلى تنظيم تظاهرات دولية أو إقليمية، وبالتالي لابد من الكف عن الكذب وعن إخفاء واقع قصورنا هذا.
الآن، وقد تم اعتقال عشرات الأشخاص على خلفية ما حدث، وأعلنت وزارة الداخلية أنها ففتحت تحقيقا إداريا حول ما قد يكون حدث من اختلالات مهنية وأمنية، فإن المطلوب هو السير بالتحقيقات إلى نهايتها، والحرص على تطبيق القانون بكل الصرامة المطلوبة، ثم إخبار الرأي العام الوطني بالنتائج والقرارات ذات الصلة، وذلك في أقرب وقت، والانطلاق مما حدث في الدار البيضاء لبلورة منظومة متكاملة من الإجراءات لتفادي جرائم الشغب هذه.
إن التقصير الأمني في أحداث الدار البيضاء واضح وموجود ولا يمكن القفز عليه، ومسؤولية عناصر منحرفة من الجمهور أيضا ثابتة ومؤكدة، لكن أيضا الظروف العامة التي تعيش على إيقاعها الدار البيضاء على صعيد الطرقات وحركة السير والتدبير الحضري ليست، بدورها، بعيدة عن التورط في تسهيل حدوث ما حدث، وبالتالي، لابد اليوم من الوعي بخطورة الجرائم التي ارتكبت، والانكباب بجدية واستعجال على إيجاد الحلول حتى لا يتكرر هذا.
ليساهم الجميع إذن في وقف هذا الإجرام الذي صار يتقوى وينتظم ويهدد مصالح السكان وممتلكاتهم وطمأنينتهم وسلامتهم.

 

Top