دور الشباب.. في الحاجة إلى بعث الروح

شكلت دور الشباب على الدوام مدرسة حقيقية للتفاعل الاجتماعي والتشبع بروح المسؤولية وتحسين التحصيل المعرفي والمهني، وفضاء للتكوين والتعلم وممارسة أنشطة متنوعة تنمي شخصية الطفل والشاب وتهيئهما لأن يكونا مواطنين صالحين ومسؤولين داخل أسرتهما ومحيطهما ومجتمعهما ووطنهما، وتحصنهما من الآفات المؤدية إلى عالم الانحراف والجنوح.
وقد باتت مهام هذه المؤسسة تكتسي أهمية أكبر في ظل المخاطر العديدة المحدقة بالشباب، على رأسها الانفجار التكنولوجي الذي ينطوي على شرور كثيرة ناجمة عن سوء الاستخدام، ما يستلزم الوقاية والتمنيع وتمكين هذه الشريحة المجتمعية المهمة من مساحات ترفيه وتسلية توفر أنشطة فنية وثقافية هادفة تشغل بها وقتها لاستثمار مواهبها وصقل مهاراتها وضمان حضورها الإيجابي في المجتمع، بما يكفل بناء جيل شبابي محصن ومتشبع بقيم مجتمعه ووطنه وأمته، وتوظيف ما يتمتع به من مؤهلات وقدرات في سبيل الإسهام في مسيرة التنمية المستدامة في مختلف القطاعات.
على أن هذا الدور التقليدي تقلص مع مرور الزمن وفقدت هذه المرافق العمومية وهجها ووظيفتها تدريجيا، بحيث لا يتجاوز عدد دور الشباب عبر ربوع المملكة حاليا 650، وهو رقم ضئيل لا يتناسب والدور الحيوي الذي كانت تضطلع به في مجال التنشئة والتثقيف والتنشيط.
من بين هذه الدور الـ 650، أوصدت 100 أبوابها من جراء معضلة ضعف الموارد البشرية، ما يستلزم التفكير في سبل النهوض بهذه المرافق العمومية الحيوية وإعادة ضخ دماء جديدة فيها وبعث الروح في شرايينها لتواصل النهوض بمهمتها النبيلة.

اختلالات كثيرة

أستاذ علم الاجتماع علي شعباني يسجل، في هذا الصدد، أن الوزارة الوصية كانت تقدم مؤسسة دار الشباب على أنها مؤسسة تربوية ثقافية واجتماعية تساعد على تكوين الطفل والشاب وإدماجهما في المجتمع، وذلك من خلال بلورة شخصيتهما وتكييفهما مع روح العصر وتزويدهما بالوسائل الضرورية لاستثمار وقتهما الحر في أنشطة تمكنهما من تنمية أفكارهما ومؤهلاتهما وطموحاتهما وتستجيب لرغباتهما واختياراتهما في إطار احترام حضارتهما ومقوماتها.
كما أنها، يضيف شعباني، كانت تعتبر مركزا رئيسيا تشع منه أنشطة الطفولة والشباب وحقلا لطرح جميع القضايا والمشاكل التي تهمهما في جو من الحوار الديمقراطي والمسؤول، وفضاء لنشاط الجمعيات وميدانا تلتقي فيه الطاقات الشابة لربط الاتصال وتبادل الخبرات والتجارب.
ويقدم أستاذ علم الاجتماع تشخيصه لواقع دور الشباب حاليا بجملة من الأسئلة: إذا كانت هذه المؤسسة تساعد على تكوين الطفل والشاب وإدماجهما في المجتمع، فهذا يعني أنها مؤسسة إدماجية. فما هي إذن أوجه هذه المساعدة؟ وكيف كانت تضطلع بهذه الوظيفة؟ وإذا كانت هذه المؤسسة قد و سعت لتشمل فئة الأطفال والشباب معا، فما هي الأساليب والطرق التي كانت تعتمدها في إدماج هاتين الشريحتين في المجتمع؟ وهل ما تزال تقوم بهذه الوظيفة الحيوية؟ وما أوجه تنسيق هذه المؤسسة مع مؤسسات أخرى تقوم بنفس الدور مثل الأسرة والمدرسة والحي …؟ وعن أي دار شباب يمكن أن نتحدث اليوم؟
ويرى الباحث في علم الاجتماع في ضوء هذه التساؤلات، أن هذه المؤسسة أصبحت تعاني من اختلالات كثيرة وتعرف تدهورا كبيرا وتهميشا وإقصاء، مما جعلها تتخلى عن كثير من أدوارها التقليدية.
ويجمل شعباني بعضا من هذه الاختلالات في نقص الموارد المالية والبشرية المؤهلة والمكونة للعمل داخل المؤسسة كما كان عليه الحال في السابق، مما جعل وظائفها وأدوارها والرسائل التي كان يمكن أن تقدمها للفئتين المستهدفتين تتقلص بشكل كبير في ظل التغيرات التي طرأت على المجتمع وانتشار وسائل التكنولوجيا التي اتخذها الأطفال والشباب، في رأيه، بديلا لدار الشباب.
ويسجل أستاذ علم الاجتماع، من جهة أخرى، أن مؤسسة دار الشباب، رغم الدور الذي كانت تضطلع به، فإنها، تاريخيا، لم تستطع التجذر في الواقع الثقافي المغربي لأنها «لم تنبثق من المجتمع، بل جاءت الفكرة جاهزة من واقع آخر مغاير»، كما أنها ظلت حبيسة وظائف لم تتجدد في جوهرها، فضلا عن تخليها عن الجانب الثقافي وتدخ ل الجمعيات التي تتضارب رؤاها وتصوراتها، «ومن ثم لم يعد لهذه المؤسسات أي إشعاع يذكر».
ومن أسباب تراجع دور مؤسسات دور الشباب أيضا، يسجل شعباني ظهور مؤسسات في السنوات الأخيرة تزاحمها وتنافسها في نفس اختصاصاتها، متمثلة في المراكز السوسيو-تربوية والرياضية للقرب، التي استقطبت الشباب الذين وجدوا فيها ضالتهم، لأنها تتوفر على ملاعب رياضية وقاعات ألعاب ومكتبات …، وتخلوا بالتالي عن دار الشباب.
ويخلص أستاذ علم الاجتماع في ضوء هذا التشخيص، إلى أن دار الشباب مؤسسة تعاني اليوم من أزمات كبيرة، ولا بد من التفكير في وجود هذه المؤسسة وسبل تجديدها أو الحفاظ عليها أو، بدلا من ذلك، إدماجها في مؤسسات أخرى حتى تؤدي الوظائف التربوية الإدماجية والثقافية والتواصلية التي كانت تقوم بها في السابق.

غياب التحفيز

وقد أكدت دراسة أنجزت في السنوات الأخيرة بعنوان «دار الشباب والإدماج الاجتماعي للشباب: النموذج الممكن» بعضا من هذه الاختلالات، إذ كشفت أن هذه المؤسسات لا تحفز الشباب على المشاركة في صنع القرار من خلال مجالسها، مما ولد لدى الشباب عزوفا عن ولوجها.
وكشفت الدراسة، التي شملت عينة من أكثر من 300 شاب وشابة، عن ضعف نموذج الحكامة القائم بدار الشباب، وغياب آلياته التدبيرية أحيانا في بعض المؤسسات، وهو أمر يثني الشباب عن ولوجها، كما أن أكثر من 80 في المائة من المستجوبين أعربوا عن عدم رضاهم عن خدماتها.
وأظهرت الدراسة أيضا وجود عجز في فعالية أدوار دار الشباب من حيث الاندماج الاجتماعي للشباب، والذي يتجسد في ضعف انخراطهم في رهان التنمية المستدامة بحكم محدودية مساهمة د ور الشباب في المغرب في تعزيز قيم المواطنة والعمل المشترك من خلال الأنشطة الاجتماعية والثقافية.
ووعيا منها بهذه النواقص والاختلالات، سطرت الوزارة الوصية، حسب وزير الثقافة والشباب والرياضة، هدف تأهيل دور الشباب بتراب المملكة للاستجابة لمتطلبات هذه الشريحة المجتمعية الحيوية ضمن أبرز محاور عمل قطاع الشباب والرياضة برسم سنة 2021.
وفي هذا الصدد، قال عثمان الفردوس، في معرض تقديمه لمشروع ميزانية قطاع الشباب والرياضة برسم السنة الجارية بمجلس النواب، إنه سيتم تطوير العرض المقدم على مستوى دور الشباب من خلال إعداد عرض متطور ومواكب لانتظارات الشباب، وإدماج هذه الفئة في اتخاذ القرار، وتعزيز خارطة المؤسسات على الصعيد الوطني، وتحديد معايير جودة الخدمات المقدمة بما يحقق تكافؤ الفرص والعدالة المجالية.
كما أشار المسؤول الحكومي إلى إحداث إطار تنظيمي للتنشيط السوسيو-ثقافي والنهوض بالتطوع عبر تحديد الإطار العام للتنشيط السوسيو-ثقافي، ووضع الإطار التنظيمي للمنشط السوسيو-ثقافي، وهيكلة التكوين المتعلق بهذه المهنة من خلال تحديد الإطار المرجعي الخاص بها، وإطلاق البرنامج الوطني للتطوع عبر إحداث التكوين الوطني للمتطوع، وتعزيز آليات الشراكة والتشبيك مع الشبكات الدولية للتطوع.

Related posts

Top