أرجع رشيد اجلاب دكتور وباحث في القانون العام، فشل النموذج التنموي المغربي إلى أسباب متعددة ومتداخلة، يعود مجملها إلى فشل الرهان على اقتصاد السوق والاعتماد على القطاع الخاص كمحرك رئيسي لعجلة التنمية، مضيفا في حوارمع بيان اليوم، أن تعطيل التنمية في المغرب، يعود بالأساس، إلى كون النموذج التنموي المطبق حاليا يبقى اقتصاديا بامتياز، وليس نموذجا تنمويا اجتماعيا. وفيما يلي نص الحوار.
< ما هي أسباب فشل النموذج التنموي المغربي، وأي نموذج تنموي يحتاجه المغرب، ومن سيقوم به؟
> في البداية لابد من الإشارة إلى خطاب الملك محمد السادس، الذي ألقاه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة، حيث جاء في خطاب افتتاح البرلمان: “النموذج التنموي للمملكة أصبح غير قادر على تلبية احتياجات المواطن المغربي”، وهو ما يتطلب الوقوف على أسباب فشل هدا المشروع التنموي، وذلك من خلال إعادة النظر في النموذج التنموي المطبق حاليا، عن طريق التفكير بوضع نموذج جديد يواجه التحديات الاجتماعية والاقتصادية. إن أسباب فشل النموذج التنموي المغربي متعددة ومتداخلة، يعود مجملها إلى فشل الرهان على اقتصاد السوق والاعتماد على القطاع الخاص كمحرك رئيسي لعجلة التنمية، كما أن تعطيل التنمية في المغرب، يعود بالأساس، إلى كون أن النموذج التنموي المطبق حاليا يبقى اقتصاديا بامتياز، وليس نموذجا تنمويا اجتماعيا. وبالتالي، فهو يسمح لفئة قليلة من الناس بتحقيق أرباح وإنجاز مشاريع، لكن الشريحة الاجتماعية الواسعة من المجتمع، تبقى على الهامش ولا تستفيد من الثروة، وذلك راجع لأسباب متراكمة تاريخيا، فدولة ما بعد الاستقلال لم تنشأ انطلاقا من حركات نضالية داخل المجتمع، بل تم استنساخها من الغرب، كما أن النضال الذي كان ضد الاستعمار تحول في كثير من البلدان، ومن ضمنها المغرب، إلى سيطرة واستحواذ من طرف رموز النخب والعائلات التي كانت تقوده –النضال السياسي- لوسائل الإنتاج والسلطة والقرارات السياسية والاقتصادية، مما أدى إلى تعميق الهوة بين طبقات المجتمع المغربي.
وفي اعتقادي الشخصي، فمسألة التفكير في بلورة نموذج تنموي جديد، يجب أن يرتكز على التضامن الاجتماعي والعدالة الاجتماعية والمساواة، مع تنويع النسيج الاقتصادي المنتج دون الاعتماد على الفلاحة بالدرجة الأولى رغم أهميتها، من جهة أخرى، يجب على النموذج التنموي المنشود أن يقر بخصوصية وتميز وتنوع روافد الهوية المغربية الغنية، أي ألا يكون هناك استنساخ لتجارب ونماذج تنموية سابقة حتى يضمن الاستدامة والتطور. أما فيما يخص المسألة المتعلقة بالجهة التي لها حق القيام بهذا النموذج. فالتوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة (الفصل 49 من الدستور) يتجاوز مداها زمن واختصاص الحكومة كسلطة تنفيذية، وبالتالي تخضع للإشراف الملكي المباشر بصفته رئيس الدولة وضامن استمرارها. وهذه التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة تعتبر بمثابة النواة الأساسية لأي نموذج تنموي، باعتبارها آليات الإنتاج والنمو الاقتصادي. وإذا كان هذا الإطار العام والاستراتيجي محدد دستوريا ووظيفيا، فإن صياغة السياسات العمومية والسياسات القطاعية تتم من قبل الحكومة (الفصل 92 من الدستور)، وذلك وفق التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة بصفتها سياسة عامة يتم تنزيلها من قبل السلطة التنفيذية بجميع مؤسساتها (القطاعات الوزارية والمؤسسات والمقاولات العمومية)، إضافة إلى الجهات وباقي الجماعات الترابية. وهو أمر يبقى في يد الحكومة بكل مستوياتها وقطاعاتها في مدى قدرتها على الإبداع والاقتراح، في بلورة تصور لهدا النموذج التنموي المنشود، بقرارات داخلية وليس املاءات خارجية لا تعبر عن الإرادة الوطنية.
< ما هي العوامل التي أدت إلى فشل النموذج التنموي المغربي، وبالتالي لم يعد يستجيب للمتطلبات الراهنة؟
> لقد أضاع المغرب الكثير من الوقت خلال عقود من أجل بلورة نموذج تنموي واضح المعالم، يساهم الجميع في بلورته، وظلت أغلب السياسات الاقتصادية والقرارات المرتبطة بها ظرفية تحكمها إكراهات اللحظة، وتستجيب لمعطيات خاصة، بعيدة عن التصور الاستراتيجي الذي يفرضه وضع النموذج التنموي الذي يجيب عن الحاجيات المجتمعية. ومن عوامل فشل النموذج التنموي المغربي، غياب الحس الاستباقي في بلورة السياسات العمومية في مجموعة من القطاعات، وتفشي مظاهر الريع والرشوة والفساد والبيروقراطية في دواليب الاقتصاد والإدارة، والمجتمع برمته، وضعف آليات الحكامة، ومحدودية الانخراط المسؤول للمواطن ومختلف الفاعلين، حيث طغت اللامبالاة تجاه النموذج الاقتصادي، من قبل مختلف الفاعلين والمؤثرين في الشأن العام. فالمغرب كدولة نامية عرف العديد من النقائص على مستوى صناعة ”السياسات العامة” وتنفيذها منذ الاستقلال لا سيما على مستوى السياسات التوزيعية وإعادة التوزيع، والسياسات التنظيمية؛ نقائص أدَّت إلى العديد من الآثار المعرقلة للتطور في مختلف القطاعات. لابد أن تكون هذه السياسات العمومية فعالة وأثرها ظاهر وملموس في حياة الناس.
< أي نموذج تنموي يحتاج إليه المغرب، وما هي الأسس التي سيبنى عليها؟
> إن المدخل الأساسي لإخراج نموذج تنموي يحتاجه المغرب، يقتضي حلولا جذرية وإرادة سياسية قوية وقرارات حازمة تجعل مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. كما أنه لابد له من أن يبنى على مجموعة من الأسس، ولعل أبرزها في نظرنا، هي فتح نقاش عام علني وحر تشارك فيه كل القوى الحية السياسية والمدنية والكفاءات والفعاليات على مستوى كل مدينة وجهة لبلورة مشروع تنموي نابع من انتظارات المواطنين، ومترجما لإرادتهم في الإصلاح حتى يضمن انخراط أوسع الفئات في عملية الإصلاح والبناء. فأي مشروع لا تنخرط فيه فئات المجتمع وتحمله لن يكتب له النجاح مهما حاولت الدولة ورصدت له من الاعتمادات والامكانيات. فالحقيقة التي لا مراء فيها وهي أن الانتصار لقضايا المواطنين هو انتصار وضمان للمستقبل.
ضمن هذه الرؤية يتأسس النموذج التنموي الناجح، وهو عبارة عن مشروع منبثق من الأسفل ويتم إنجازه بمشاركة جميع الفاعلين ومساهمتهم الفعلية في كل مراحل إعداد المشروع/ النموذج التنموي، بدءا من التشخيص التشاركي إلى مرحلة البرمجة والتنفيذ والتتبع والتقييم، مرورا بمرحلة رصد أهم محاور التنمية، وبعبارة أدق، فالنموذج التنموي المنشود في اعتقادنا، هو ميثاق ومشروع مجتمعي تشاركي، إلا أن تطبيقه يتطلب سيادة جو تسوده الشفافية والمسؤولية، ودولة القانون والمشاركة واللامركزية والتنسيق بين كل المتدخلين.
< النموذج التنموي يرتكز على فروع أساسية وهي النموذج الاقتصادي والمجتمعي والسياسي، ما السبيل إلى نموذج تنموي مغربي يزاوج بين هذه الفروع، بشكل متوازن؟
– في البداية، لابد من ضبط مفهوم النموذج التنموي الذي قد يختلط مفهومه لدى البعض مع النموذج الاقتصادي، الذي يرتبط به أو بالسياسات الاقتصادية أو بالسياسات التنموية التي تختلف عن هذا المفهوم رغم تقاطعها معها. فالنموذج التنموي يعبر عن مجهودات الدولة لتحقيق التنمية والتقدم والرفاه، ورفع الطاقة الإنتاجية، وزيادة حجم الناتج الداخلي الخام، وهو لا يقتصر على السياسات الاقتصادية الصرفة التي تعتبر أساس النماذج التنموية الكبرى، وإنما أصبح يطال أيضا السياسات الاجتماعية والبيئية التي تعتبر مستويات متقدمة للتنمية وأصبحت مرتبطة بالتنمية الاقتصادية بشموليتها في الوقت الراهن. ومن هدا المنطلق، فان النموذج التنموي المنشود ببلادنا، لابد له أن ينطلق من رؤية وقناعة ذاتية متكاملة، تأخذ بعين الاعتبار مجموعة من الفروع والمجالات، اقتصادية، اجتماعية، وسياسية، حتى يستجيب لجميع المطالب والتطلعات.
وهذا ما يستدعي فرض مقاربة إصلاحاتٍ جذرية وهيكلية، تقوم على مراجعة مكامن الخلل في المنظومة بشكل شمولي، فالاستقرار السياسي الذي يتميز به المغرب، يعتبر عنصرا أساسيا في جاذبيه الاقتصاد الوطني بجلب الاستثمارات الاجنبية، إلى جانب البناء الديمقراطي الذي يسمح بتمثيلية سياسية واسعة، يساهم في تحقيق السلم الاجتماعي ويلعب دورا كبيرا في تحقيق التنمية الاقتصادية. هذه المحددات، الاستقرار السياسي، البناء الديمقراطي، جاذبية الاقتصاد الوطني، السلم الاجتماعي، كفيلة بصياغة نموذج تنموي متكامل ومستدام وعلينا استثمارها بشكل الامثل.
< يرى متتبعون أن المغرب يسير بسرعتين، من ناحية توجد مخططات ضخمة استفادت من أموال كثيرة، لكن بالمقابل أثرها على المواطن تبقى محدودة، فيما يتعلق بمستوى العيش والخدمات الأساسية والبطالة، ما السبيل إلى تحقيق عدالة في توزيع الثروة؟
> منذ بداية ما سمي بالعهد الجديد ارتكزت محاور الاقتصاد المغربي، على المخططات القطاعية، الأوراش الكبرى للبنية التحتية، الاتفاقيات الدولية للتبادل الحر، هذه المشاريع هي امتداد للخط الليبرالي الذي دأبت عليه الدولة مند بداية الثمانينات والتي شكلت البدايات الأولى للتماهي مع سياسات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. فالبرامج الحكومية والأوراش الكبرى كانت تصاغ كاستراتيجيات قطاعية لم يكن معظمها يكتسي طابع سياسات عمومية اقتصادية، وإنما كانت عبارة عن برامج كبرى كانت تستهدف بالأساس دعم النمو الاقتصادي، وهو أمر جد إيجابي، لكن هذه الخيارات التنموية الكبرى بقيت آنذاك حبيسة تطوير نموذج النمو، وركزت بالأساس على خلق القيمة المضافة.
كما لم يتم الانتباه للشق المتعلق بآليات خلق الثروة بشكل مستدام ومتكامل، وبتوزيع ثمار التنمية (وهو الشق الثاني الأساسي لأي نموذج تنموي)، وبقيت الإشكالات المرتبطة بها حبيسة مقاربات تجزيئية أو فئوية، ولم يتم تحقيق الموازنة بين التنمية الاقتصادية وضرورات التنمية الاجتماعية، بل عمدت الحكومات المتعاقبة على معالجة الإشكالات الاجتماعية بشكل جزئي، ولَم يتم الحديث عن التماسك الاجتماعي كسياسة عامة إلا ابتداء من سنة 2013. على العموم يبقى الهدف الأساسي من صياغة أي نموذج تنموي العمل على واجهتين أساسيتين، آليات إنتاج الثروة والقيمة الاقتصادية المضافة، ثم آليات توزيع الثروة وثمار النمو الاقتصادي، وهو يعبر عن الجانب الاجتماعي للنموذج.
< يرتبط نجاح النموذج التنموي بتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، كيف يمكن فك الارتباط بين نسب النمو التي يتم تسجيلها بأداء القطاع الفلاحي، حتى لا يرتهن الأداء الاقتصادي والتنمية الاجتماعية بالتقلبات المناخية؟
> إن تأثير التقلبات المناخية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب ارتباطا بالقطاع الفلاحي وخصوصا ظاهرة الجفاف، أعتقد أنها لا تحتاج إلى تبيان. فالفلاحة ظلت الدعامة الرئيسية للاقتصاد الوطني، فهي تمثل حسب أرقام رسمية 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وتشغل من 40 إلى 43 في المائة من اليد العاملة. وتدخل الدولة منذ الاستقلال في المجال الفلاحي، تميز بغياب رؤية واضحة، مما حد من تطوير وتنمية الفلاحة المغربية، كما ينبغي الإشارة إلى عدم رقي العلاقة بين الدولة والجمعيات المهنية المحلية إلى المستوى المطلوب، كما يسجل الضعف المؤسساتي بين القطاع الخاص والعام والتنظيمات المهنية، دون أن ننسى هامشية دور القرض الفلاحي.
إن الإقلاع الاقتصادي الحقيقي ينطلق بالفعل من قطاعات استراتيجية، أكد التاريخ الاقتصادي جدواها وفعاليتها، وهذه القطاعات تتمثل بالخصوص في القطاع الصناعي (دون إهمال الفلاحة). وعليه وفي سبيل تعزيز وتنويع النسيج الاقتصادي الوطني، يمكن الاعتماد على القطاع السياحي لفك هدا الارتباط القوي بين الاقتصاد الوطني والقطاع الفلاحي والظروف والتقلبات التي يعرفها ارتباطا بالمعطيات المناخية، فالقطاع السياحي في هذا السياق، يمكن أن يلعب دوره كوسيط في الحركية أو الدورة الاقتصادية وليس دور المحرك.
< في السنوات الأخيرة اختار المغرب التوجه نحو فتح أبواب الاستثمار في المهن العالمية خاصة قطاع الطيران والسيارات، هل تعتقدون أن هذا التوجه كفيل بتأسيس نموذج تنموي قوي ومستدام؟
> فيما يتعلق بهذا الجانب، أعتقد، أنه رغم اختيار المغرب وتوجهه نحو فتح أبواب الاستثمار في المهن العالمية خاصة قطاع الطيران والسيارات، فإن بنية الاستثمار في القطاع الصناعي بنية هشة بصفة عامة، لأن المغرب لا يتوفر على نواة صناعية أو على نسيج صناعي متماسك ومهيكل، كل ما يتوفر عليه المغرب هو بعض الوحدات الصناعية الخفيفة والتحويلية (وليس الثقيلة)، المرتبطة عضويا بالشركات الأجنبية التي تبتلع حصة الأسد من الأرباح المرئية والغير المرئية. إن كان المغرب يتوفر على نسيج صناعي ولو في شكله الأول، لماذا لا يعرف الاقتصاد نقلات نوعية ولو بطيئة تجعله اليوم يؤسس لمقومات اقتصاد عصري متطور وذلك منذ أكثر من نصف قرن من الاستقلال؟ يعني ذلك أن البنية الصناعية بالمغرب غير مندمجة، بحكم غياب اندماج القطاعات التي تعرف اختلالات هيكلية منذ نشأتها في حضن الاستعمار القديم حتى الاستعمار الجديد في شكله المعولم، وهذه هي المعضلة الكبرى التي تقف أمام تأسيس نموذج تنموي قوي ومستدام.
< يبرز إشكال آخر، يتمثل في عدم تجانس البرامج الحكومية في مختلف القطاع، ومن مثل ذلك إطلاق عدد من المخططات دون أن إنهائها أو استكمالها، كيف يمكن الخروج من هذا النفق؟
> بالفعل، الملاحظ في الوقت الراهن، هو أن القطاعات الحكومية تتابع على حدة برامج لم تكن متكاملة إلا بكيفية عرضية، الشيء الذي ترتب عنه تعددية في المبادرات غير المنسجمة، ونتج عنه تبذير غير ذي فائدة للموارد والطاقات، ومن اجل الخروج من هدا المأزق، الدي يؤثر على برامج ومشاريع التنمية، لابد من الاعتماد على منهجية ”الالتقائية”، كتقنية تتوخى ربط علاقة بين عدة مراكز لاتخاذ القرار (مصالح خارجية، جماعات محلية، مجتمع مدني…) والتي تتدخل في مجال متطابق في أفق تطوير جودة العمل التنموي المشترك من خلال المشاريع والبرامج المنجزة والمرتقب إنجازها على المستويين المحلي والوطني بغية الخروج بمشروع واحد، مندمج ومنسجم وبنتائج إيجابية.
< ما هي الإجراءات الكفيلة بتقوية روح الثقة وتعزيز مناخ الأعمال الذي من شانه أن يرفع وتيرة الدينامية الاقتصادية؟
>حقق المغرب تقدما ملحوظا في تصنيف مناخ الأعمال سنة 2017، الذي تصدره مؤسسة البنك الدولي، والذي يعتبر المرجع الأهم لتحديد اختيارات وقرارات المستثمرين الدوليين. باحتلاله الرتبة 68، وتقدم ب 7 مقاعد مقارنة مع نسخة سنة 2016 (الرتبة 75) لهذا التقرير. وبذلك يأتي المغرب في الرتبة الأولى على مستوى شمال إفريقيا والثالث على المستوى الإفريقي والرابع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إن التحسن المستمر لتصنيف المغرب في التقرير الأكثر أهمية لأوساط المال والأعمال في العالم، جاء بفضل خطوات أساسية مثل تبسيط المساطر الإدارية الخاصة بإحداث المقاولات وتدبير علاقاتها، ونزع الصفة المادية عن الوثائق الإدارية، وتعميم تجربة الشباك الوحيد، إضافة إلى تحيين المنظومة التشريعية. ويعكس هذا التصنيف الجديد حيوية الإصلاحات التي يقوم بها المغرب والتي يدعمها الاتحاد الأوروبي من أجل إحداث قطاع خاص قادر على المنافسة. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن برنامج دعم التشغيل والمقاولات الصغيرة والمتوسطة (430 مليون درهم) وبرنامج دعم الاستثمارات والصادرات (430 مليون درهم) وبرامج أخرى مكنوا المغرب من تحقيق هذه النتيجة المشجعة. ومن أجل تعزيز الاجراءات الكفيلة بتقوية مناخ الاعمال ببلادنا، للرفع من وتيرة الدينامية الاقتصادية. أعتقد، أنه لابد من تحديث الترسانة القانونية للأعمال وتسهيل ولوج المقاولات الصغرى والمتوسطة إلى الصفقات العمومية، وتشجيع وحدات الاقتصاد غير المهيكل على اكتساب وضع قانوني وتسهيل الولوج إلى التمويل بالنسبة لكافة أصناف المقاولات.
< ما السبيل إلى ضمان العدالة المجالية فيما يتعلق بتوزيع المشاريع التنموية في مختلف الجهات المغربية، وكيف يمكن الخروج من التركز الذي تعرفه جهات دون أخرى؟
> رغم المجهودات والوعي المبكر بضرورة إعداد المجال من أجل محاربة الفوارق الجهوية، فإن كل ذلك ظل خاضعا لمنطق تقنوقراطي مركزي راهن خاطئ -ليس فقط- على تحقيق تنمية قطاعية مجالية بوتيرة مرتفعة، بل اعتبر المجتمع كميدان تطبق فيه القرارات الفوقية، وقد حال كل هذا، بطبيعة الحال، دون ترجمة سياسة تصحيح الفوارق الجهوية على أرض الواقع، بل برزت تفاوتات صارخة بين مكونات المجال المغربي وعلى مستويات متعددة، كمستوى توزيع السكان، ومستوى توزيع الأنشطة الاقتصادية، ومستوى توزيع البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية ومستوى استغلال مختلف الموارد والثروات. ومن ثم، أعتقد أن الضرورة تفرض التخلي عن السياسة المجالية القائمة على تدخلات قطاعية غالبا ما كانت استدراكية ومتفرقة في الزمان والمكان ونابعة من دون شك من محدوديتها، التي أبانت عنها ومن مركزية إطارها التنموي البعيد عن المجال وعن الإنسان. ومن هنا ولتجاوز هدا الوضع، لابد من نهج سياسة ترابية منصفة تراعي الاختلافات القائمة وتسعى إلى تحقيق توازنات منتجة وتتجاوز التفاوتات والاقصاءات، وذلك في إطار تصور ترابي مندمج تنتج عنه دينامية متعددة، تعيد الاعتبار للمكون والمعطى المحلي، وتوظف امكانات التراب سواء في بعده المادي الطبيعي (الجغرافي) أو من خلال بعده البشري (الانساني) في دعم تطوره الاقتصادي والاجتماعي وتأهيل نخبه، وتسيير شؤونه بذاته، بما يحقق تنمية ترابية ملموسة تضيف إلى التنمية على المستوى الوطني قيمة مضافة.
< العديد من الآراء تقول إن المقاولات تستفيد من مجموعة من الإجراءات الضريبية وتحفيزات مهمة، ولكنها بالمقابل تبقى مساهمتها في تحريك الاقتصاد دون الانتظارات؟
> رغم محاولات إنعاش المقاولات بالاستفادة من مجموعة من الاجراءات التحفيزية، فإنها لم تفلح في ايقاف نزيف الافلاس التي تعاني منه المقاولات. فقد كشفت بيانات احصائية صادرة عن مكتب للدراسات ”انفوريسك” تزايد وتيرة افلاس المقاولات الصغرى والمتوسطة، ليصل مجموعها سنة 2016 إلى 7105 مقاولة مقابل 5955 مقاولة سنة 2015، أي ما يمثل زيادة بواقع 19.3 في المائة، فالأرقام التي كشفت عنها هده الدراسة تؤكد المنحى التصاعدي لإفلاس المقاولات والشركات المغربية، وهو ما يجد تبريره في غياب فرص في ظل نمو غير مشجع، وضعف أداء الاقتصاد الوطني الذي سجل نسبة نمو ضعيفة لا تتعدى 1.5 في المائة. وفضلا عن الصعوبات الاقتصادية، يأتي عامل آخر ليزيد من متاعب المقاولات المفلسة، ويتعلق الأمر على الخصوص بسوء التدبير الدي يميز أداءها، دون إغفال تأثير عامل آخر هو طول آجال الأداء، ما يزيد من صعوبات المقاولة، خاصة المقاولة الصغرى، علما أن معدل أجل الأداء يصل إلى 279 يوما بالنسبة إلى المقاولات الصغرى، وإلى 144 يوما بالنسبة إلى المقاولات المتوسطة .فالمقاولات الصغرى والمتوسطة تعتبر من الناحية البنيوية وحدات عاجزة لأنها تقترض كثيرا وبالتالي تقل إيداعاتها لدى البنوك التي اقترضت منها، فرغم السياسات الداعمة من طرف الحكومة للنهوض بهدأ النمط من المقاولات. إلا أن إنعاش هذه المقاولات بقي محدودا في مضمونه وأبعاده، لأنه لا يواكب المشاكل اليومية التي يعاني منها القطاع الخاص، خاصة في ظل الظروف الراهنة والتي تزداد معها تكاليف المواد الأساسية للاستثمار مثلا كالزيادة الأخيرة (للمحروقات) التي مست القطاع الخاص وكذلك المواطنين وارتفاع التكاليف وعدم تغطية المصاريف الذاتية والافتراضية، يجعل القطاع الخاص في محك الانسحاب من مشاركته وعدم استمراريته في إنعاش التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
حاوره: حسن انفلوس