على إثر الزلزال المدمر الذي هز تركيا وسوريا الشهر الماضي، والذي تلاه ما يزيد عن 4000 هزة ارتدادية، وهزات أخرى كانت أعنف، تعود بين الفينة والأخرى مجموعة من السيناريوهات التي تقض مضجع الناس حول ماهية هذه الكوارث وطبيعتها وكيف تحول حياة الناس بين ليلة وضحاها.
وخلال الأشهر القليلة الماضية فقط ضربت عدد من الهزات الأرضية دولا متعددة، وسجلت دول أخرى فيضانات وسيول جارفة، وأدت هذه الكوارث في مجملها لوفاة الآلاف من الناس والتأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على الملايين بدول مختلفة.
بيان اليوم ومن خلال هذه النافذة الرمضانية، تعيد شريط مجموعة من الأحداث التي عرفتها دول مختلفة، وضمنها بلادنا المغرب، حيث هزت، بين ليلة وضحاها، كوارث طبيعية شعور الناس وشدت الانتباه إليها وخلقت حالة من التحول في مسار الملايين.
زلزال هايتي.. الكارثة التي أودت بحياة ما يزيد عن 200 ألف شخص وشردت مليون ونصف
عاشت هايتي سنة 2010 إحدى اكبر مآسيها الحديثة، بعد كارثة طبيعية أودت بحياة الآلاف، ودمرت البلاد وشرت ساكنة هذه الدولة التي تقع في أمريكا الشمالية ببحر الكاريبي.
وتلعب جغرافية هايتي دورا كبيرا في حدوث الكوارث الطبيعية، بالنظر لكونها تقع في جزيرة هيسبانيولا في جزر الأنتيل الكبرى في البحر الكاريبي، بحيث يجعلها دائما عرضة للفيضانات المهولة التي تجتاح البلاد بين الفينة والأخرى.
وتعاني هايتي التي تمتلك ثلاثة أثمان غرب الجزيرة التي تشترك فيها مع جمهورية الدومينيكان، من تكرر الفيضانات وما تشكله من مخاطر وخسائر كبيرة للبلاد، إلا أن هايتي لم تكن تعاني بدرجة اكبر مع الزلازل كما هو الحال بالنسبة لبلدان آسيا التي تعد البيئة الخصبة للزلازل.
وبالرغم من ذلك، إلا أن هايتي تحتل موقعا كان دائما ما يهددها بحدوث كارثة زلزالية، ذلك أنها تقع ضمن منطقة صدع زلزالي تعرف باسم صدع إنريكيو- بلينتين غاردن، وهو صدع يشبه صدع سان أندريز في كاليفورنيا الأمريكية، حسب الخبراء.
هذا الموقع الجغرافي كان محط تحذير علمي من قبل عدد من الخبراء والعلماء الجيولوجيين، الذين دقوا ناقوس الخطر خلال مشاركتهم في المؤتمر الجيولوجي الثامن عشر لمنطقة الكاريبي الذي عقد في سانت دومينغو عاصمة جمهورية الدومنيكان المجاورة لهايتي في مارس 2008.
وخلال هذا المؤتمر، حذر خمسة من العلماء في دراسة قاموا بتقديمها في المؤتمر من خطر زلزالي كبير محتمل في المنطقة التي تشكل الصدع في الجزء الجنوبي من الجزيرة، وهي المنطقة ذاتها التي سيقع بها الزلزال لاحقا في يناير 2010.
في 12 من يناير عام 2010، وفي تمام الساعة الرابعة مساء وثلاثة وخمسون دقيقة بالتوقيت المحلي سيحدث ما تم التحذير منه قبل سنتين، هزة ارضية عنيفة بقوة 7 درجات على سلم ريشتر، ستحول استقرار البلاد إلى فوضى وستحول هدوء العاصمة بورت أو برانس إلى ضجيج بفعل الانهيارات الضخمة في المباني والأنين الآت تحت الأنقاض.
كان مركز الزلزال يبعد نحو 17 كيلومترا جنوب غربي العاصمة الهايتية بورت أو برانس، ووقع على عمق 10 كيلومتر، وأدى إلى دمار هائل في بضع ثوان، لدرجة أن الأمين العام للأمم المتحدة وصفه في إحدى مناسبات تخليد ذكرى الكارثة بكونه حول آمال الناس إلى غبار، حيث قال “إن الزلزال وقع في وقت كان فيه العديد من الهايتيين قد بدؤوا سنتهم الجديدة بشعور من التفاؤل والثقة في مستقبل بلدهم، ولكن في بضع ثوان، تحولت آمالهم إلى غبار”.
تبع هذا الزلزال المدمر عشرات الهزات الارتدادية التي فاق عدد منها قوة 5 درجات على سلم ريشتر، فيما سجلت هزتين قويتين بدرجة 5.9 على سلم ريشتر وأخرى بقوة 5.5 كلها بنفس العمق، حيث صعبت مهمة الإغاثة والإنقاذ وأدت على مقتل المزيد من الضحايا، خصوصا الذين بقوا عالقين تحت الأنقاض.
أدى الزلزال الذي استمر لما يزيد عن دقيقة واحدة، حسب الصليب الأحمر الدولي، أعداد المتأثرين بالزلزال بثلاثة ملايين شخص بين قتيل وجريح ومفقود، وأعلنت السلطات عن مقتل شخصيات عامة بارزة عديدة جراء الزلزال، من ضمنهم موظفين بالأمم المتحدة.
بعد حوالي شهر من الكارثة، وبالضبط في 9 فبراير 2010، أعلنت الحكومة الهايتية عن حصيلة الكارثة التي قالت إنها تجاوزت 230 ألف قتيل، حيث جرى دفنهم في مقابر جماعية، فيما أعلنت الأمم المتحدة أن 200 شخص قد فقدوا تحت أنقاض مقر قيادة القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة في هاييتي وأن رئيس البعثة التونسي هادي عنابي نفسه من بين القتلى. كذلك أعلنت الأردن مقتل ثلاثة عسكريين من قوات حفظ السلام الدولية العاملة في الجزيرة وإصابة 23 آخرين بجراح.
السلطات الهايتية أعلنت أيضا عن جرح ما يزيد عن 300 ألف شخص ونزوح ما يزيد عن مليون ونصف، وأحصت خسائر مادية جسيمة إثر انهيار ما يزيد عن 100 ألف مبنى وتضرر أزيد من 188 ألف منزل في منطقة بورت أو برانس ومعظم جنوب هايتي.
ومن خلال مجموعة من الصور التي جرى تداولها على القنوات التلفزية، برز حجم الخسائر المادية، حيث أظهرت الصور انهيار معظم معالم مدينة بورت أو برانس، كما تضررت مباني حيوية في الدولة، كما هو الحال بالنسبة للقصر الرئاسي، ومبنى الجمعية الوطنية (البرلمان)، بالإضافة على انهيار السجن الرئيسي ومستشفى واحد على الأقل.
بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد أعلنت بلدان حول العالم عن تعاطفها مع هايتي، وقدمت لها مساعدات مهمة، بعضها مالي من أجل إعادة الإعمار، وبعضها عيني ويهم إغاثة المنكوبين جراء الكارثة، وتوفير مستشفيات ميدانية ومراكز إيواء لاحتواء مئات الآلاف الذين فقدوا منازلهم وتشردوا جراء الزلزال.
وهكذا استقبل هايتي مساعدات من دول مختلفة عبر العالم، من ضمها المغرب، حيث أعلن الملك محمد السادس حينها عن إرسال مبلغ مليون دولار كمساعدة إنسانية عاجلة، كما استقبلت هايتي مساعدات مهمة من الأردن، قطر، البحرين، السعودية، الإمارات، الكويت، لبنان، تركيا، بنغلاديش، بوليفيا، البرازيل، روسيا، الصين، بريطانيا، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة الأمريكية وبلدانا عديدة قامت، خلال وبعد الكارثة، بإرسال معونات إنسانية ومعدات إنقاذ وعاملي الإغاثة بشكل مباشر إلى المناطق التي تأثرت بالزلزال.
إلا أن ما زاد من حدة هذه الكارثة، هو حالة الهلع والرعب التي سادت في شوارع عدد من المدن الهايتية وخصوصا بالعاصمة بورت أو برانس حيث قل الأمن وبدأت مجموعة من الظواهر تتنامى خصوصا السرقة والنشل والهجوم على المحلات التجارية، وانتشرت أعمال نهب وسلب المتاجر والمنازل، إضافة لاشتباكات بين اللصوص، وهو ما دفع السلطات الهايتية إلى استقبال القوات العسكرية لعدد من الدول التي أرسلت جنودها لفرض الأمن والنظام في هذا البلد الذي انهارت بنيته التحتية.
كما أعلن رئيس هايتي ايام قليلة بعد الكارثة، عن دخول القوات الأمريكية إلى البلاد من أجل المساعدة على حفظ السلام وتدعيم القوات التابعة للأمم المتحدة في الحفاظ على النظام في شوارع هايتي حيث تنتشر قوات الشرطة وقوات حفظ السلام، والتي بالرغم من كل عملها، لم تستطع توفير الأمن بشكل كامل في شوارع البلاد المنفلتة.
وما تزال بعض تابعات هذه الكارثة تؤثر على هايتي التي عاشت في 2010 إحدى اسوأ الكوارث في تاريخها التي دمرت البنية التحتية لجل المدن وخربت منشئاتها العامة والخاصة وأدت إلى إضعاف الاقتصاد الوطني الذين كان يعيش، أصلا، حالة من الضعف والانهيار.
- إعداد: محمد توفيق أمزيان