شجاعة العفو

العفو الذي أصدره جلالة الملك أول أمس، مثل خطوة أخرى تكشف عن إرادة سياسية قوية لتقوية البناء الديمقراطي، وتمثل أيضا أحد عناوين المرحلة التي ولجها المغرب منذ خطاب تاسع مارس.
عندما يشمل العفو 190 شخصا دفعة واحدة، ويتم تحويل عقوبة الإعدام إلى سجن محدد (وليس إلى مؤبد) وهذه سابقة في قرارات العفو، وعندما يتم نقل المفرج عنهم بسيارات رسمية إلى مقر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وتبرز الفرحة هناك…، وأيضا تتعالى الشعارات، فكل هذا يلخص شجاعة الخطوة وقوة الإرادة، ورسالة إلى الجميع بأن اختيار الديمقراطية وحقوق الإنسان لارجعة فيه، كما أن البلاد تستطيع أن تصلح ما قد يلحق ممارساتها وتدبيرها من اختلالات، وتراجع أيضا الأخطاء ولو صدرت عن أجهزة أمنية أو سلطات إدارية أو محاكم أيضا.
القرار الملكي حمل إشارة أخرى أيضا تتعلق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومفادها أن هذه المؤسسة الوطنية تشهد التحول فعلا، فطلب العفو صدر عن رئيسها وأمينها العام أياما بعد تعيينهما، والملك استجاب على الفور، ووراء كل هذا رسالة عن الدور المستقبلي للمجلس، وصلاحياته، وأيضا التفاتة تقدير وتشجيع لدينامية الرئيس والأمين العام ولنضاليتهما.
ومن جهة ثانية، فإن الحوار الوطني الجاري حول المراجعة الدستورية وما أفرزه من تطلعات ديمقراطية وسط شعبنا، سيتعزز، بلا شك، بمثل هذه الإجراءات الموازية، والتي تساهم في إحداث انفراج أساسي في حياتنا السياسية، وعلى صعيد تخليق الحياة العامة.
إن ما أعلن عنه جلالة الملك بشأن مكافحة الرشوة، وفيما يتعلق بمجلس المنافسة، وما يتبلور اليوم على صعيد إصلاح الصحافة والإعلام، كل هذا من شأنه تجاوز بعض ما  يعكر صفو أجوائنا السياسية الوطنية، بما يفتح الأفق نحو مزيد من الدمقرطة والتحديث والتنمية.
عندما نادت جمعيات حقوقية وقوى سياسية قبل أسابيع بإجراءات مواكبة تروم تعزيز الثقة في مسار الإصلاح الجاري في البلاد، وعندما طالب حزب التقدم والاشتراكية السبت الماضي في العيون بمعالجة حقيقية لمخلفات أحداث «مخيم اكديم ايزيك»، فإن كل هذا كان بغاية إضفاء قيمة مضافة على صعيد التدابير المواكبة لورش الإصلاحات المؤسساتية والدستورية التي تخوضها البلاد.
إن القرار الملكي بكل ما يحمله من إشارات ودلالات، يجب أن تصل رسالته إلى الجميع، حيث أن مغرب اليوم لم يعد يقبل أن تنتهك فيه حقوق الإنسان، ولم يعد مقبولا أن تغيب فيه المحاكمة العادلة، وصار من الضروري أن يتوحد الجميع حول شعار: «لن يتكرر هذا».
رسالة الملك لابد أيضا أن تصل إلى كل من ساهموا في صنع «جيل جديد من الانحرافات» ومن الممارسات الماسخة في حقلنا السياسي والحزبي والانتخابي والإعلامي في السنوات الأخيرة، وعليهم أن يفهموا معنى أن يرفع داخل مجلس حقوق الإنسان شعار «ارحل» مقرونا بالاسم.
لابد أن تصل رسالة الملك إلى هؤلاء.

Top